ليقدم عليه ، وان كانت النسبة بينهما هي العموم من وجه.
وسر الفرق بينهما أن التقديم في التخصيص إنما كان لأجل أن ظهور الخاصّ في مصاديقه أقوى من ظهور العام في مصاديق الخاصّ ، أو أن الخاصّ نصّ فيها والعام ظاهر ، والنص والأظهر يقدمان على الظاهر عادة ، أو أن الخاصّ بمنزلة القرينة على المراد الجدي ، والظهور لا يتجاوز الكشف عن المراد الاستعمالي للآمر ، ومن عدم القرينة على تغاير المراد الاستعمالي للمراد الجدي نستفيد تطابقهما ، فإذا جاءت القرينة على المغايرة لم يبق مجال للاستدلال ـ بما يكشف عن المراد الاستعمالي ـ على المراد الجدي ، على اختلاف في فلسفة التقديم.
ولكن ذلك لا يتأتى في العامّين من وجه ، لأن نسبة كل منهما إلى موضع الالتقاء من حيث الظهور نسبة واحدة ، فلا يصلح ان يكون أحدهما قرينة على التخصيص بالنسبة إلى الآخر ، ومن هنا التزمنا بالتساقط في العامين من وجه عند تعارضهما في موضع الالتقاء.
ولكن لسان الحكومة لما كان لسان شرح وبيان للمراد من الأدلة الأولية ، كان قرينة على كل حال ، فلا بدّ ان ينزل ذو القرينة عليها عرفا ، ومن هنا لم يلحظ العلماء النسبة في أدلة العناوين الثانوية مع العناوين الأولية ، ولا أدلة الرخصة مع العزيمة ، فيعارضون بينها مع ان النسبة بينهما ـ في الغالب ـ هي نسبة العموم من وجه ، فأدلة نفي الإكراه أو الاضطرار عند ما تنسب إلى أي حكم تكون نسبته إليها نسبة العموم من وجه ، خذوا على ذلك مثلا نسبتها إلى حرمة أكل لحم الميتة ، فان أدلة حرمة الأكل تقول : يحرم أكل الميتة على المضطر وغيره ، وأدلة نفي الاضطرار ، تقول : ان الحكم المضطر إليه مرتفع كان أكل الميتة أو غيره ، وموضع الالتقاء الميتة المضطر إلى أكلها ، وهكذا ، والسر هو ما قلناه من تقديم العرف لهذا النوع من الأدلة بعد ان كان لسانه لسان بيان وشرح للمراد من الأدلة الأولية.