عالما بالطلب والهندسة وأصول الحرف والصناعات ، ومستوعبا لجميع أنواع الثقافات بحيث يستغني عن أخذ أي شيء منها. وحتى الأمم البدائية لا يمكن ان تتخلى عن هذه الظاهرة نسبيا.
والحقيقة ان تسميتها ظاهرة اجتماعية عامة أولى من تسميتها بالبناء العقلائي ، لأنها قائمة على كل حال ، وجد تبان من العقلاء أو لم يوجد.
والّذي نعلمه ونؤمن به ان مجتمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان بدعا من المجتمعات. لينفرد أفراده بالاستقلال بالمعرفة التفصيلية لمختلف ما يحتاجون التعرف إليه من شئون دينهم ودنياهم ، بحيث كانوا لا يتفاوتون من حيث العلم والجهل ليرجع جهالهم إلى علمائهم ، وفيهم من كان يشغله الصفق في الأسواق عن تتبع المعرفة من منابعها.
وإذا كانت هذه الظاهرة موجودة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي موجودة حتما ـ فهي ممضاة من قبله بإقرارهم عليها ، ولو كان هناك تشريع على خلافها لأثر من طريق التواتر ـ عادة ـ وهو ما لم ينقل حتى من طريق الآحاد.
وما يحتمل ان يكون ردعا من أمثال تلكم الآيات الناهية عن التقليد لا يصلح لإثباته ما دامت صريحة أو تكاد في الردع عن رجوع الجاهل إلى الجاهل ، وهو أجنبي عن هذه الظاهرة أو هذا البناء.
على ان أمثال آيتي (النفر) و (سؤال أهل الذّكر) بناء على ظهورها في التقليد والعشرات من الأحاديث التي أمرت بعض أصحاب الأئمة بالتصدي للإفتاء ، أو أرجعت إلى بعضهم للاستفتاء ، صريحة في إمضاء هذا البناء ولزوم الأخذ به في الجملة.
وهذه الأدلة ـ فيما أعتقد ـ ليست واردة لجعل حكم تأسيسي ما دام هذا البناء قائما في ذلك العصر ، وإنما هي من أدلة الإقرار له ، فلا حاجة إلى الدخول في