والجواب :
ان تمامية رأيه موقوفة على تمامية مقدمات :
أولاها : ان النهي عن الشيء يقتضي الأمر بضده العام.
ثانيها : ان الضد العام موقوف وجوده على الإتيان بأحد الأضداد الخاصة فهو مقدمة له.
ثالثها : الالتزام بالوجوب المقدمي تبعا لوجوب ذي المقدمة.
والجواب عن هذه المقدمات متوقف على إدراك مناشئ التكاليف ، فالذي عليه المسلمون ان الأوامر والنواهي وليدتا مصالح ومفاسد في المتعلقات ، فالأمر لا يكون إلا إذا كانت هناك مصلحة باعثة على الإتيان به ، والنهي لا يكون إلا مع وجود مفسدة فيه باعثة على الردع عنه ، وإن المصلحة والمفسدة من قبيل الضدين الذين لهما ثالث وهو ما لا يكون فيه مصلحة ولا مفسدة ، وعلى يتفرع الخطاب الشرعي الّذي يفيد الإباحة ، فإذا صح هذا ، فالقول بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده أو أن النهي عن الشيء يقتضي الأمر بضده أمر لا ملزم له ، لجواز أن يكون في النهي عن الشيء مفسدة وليس في تركه مصلحة ملزمة ليؤمر به ، فالنهي اذن عن الشيء لا يستلزم الأمر بضده. ولنفس السبب نقول : ان الأمر بالشيء لا يستلزم الأمر بمقدمته ، وعلى هذا الأساس أنكرنا وجوب المقدمة إذ لا ضرورة للقول به ، والقول بأن المتلازمين تلازم العلة والمعلول أو غيره يجب ان يأخذا حكما متماثلا لا مستند له ، لأن طبيعة التلازم لا تستدعي أكثر من امتناع جعل الحكمين المتدافعين بأن يكون أحدهما واجبا والآخر محرما ، لامتناع امتثالهما معا لفرض التلازم ، أما ان يكون أحدهما واجبا والآخر مستحبا أو مباحا فلا محذور فيه ، ولزوم الإتيان به تبعا لملازمه لزوم عقلي محض لا يستدعي جعل أمر مولوي.