الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات تسمى لذلك مصلحة مرسلة ، وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها ، بل يجب القطع بكونها حجة» (١).
والجواب الّذي يصلح ـ لمثبتي الاستصلاح ـ التمسك به : ان حصر معرفة المصلحة التي تحفظ مقاصد الشرع بالكتاب والسنة والإجماع لا دليل عليه ، لما سبق من إثبات كاشفية العقل وإدراكه للمصالح والمفاسد المستلزم لإدراك حكم الشارع بها.
ومع إمكان الإدراك فليس هناك ما يمنع من وقوعه أحيانا ، وعلى أي حال فالمسألة مبنائية.
٣ ـ ما ذكره الآمدي في كتابه الأحكام من ان «المصالح على ما بيّنا ، منقسمة إلى ما عهد من الشارع اعتبارها ، وإلى ما عهد منه إلغاؤها ، والمرسلة مترددة بين ذينك القسمين ، وليس إلحاقها بأحدهما أولى من إلحاقها بالآخر ، فامتناع الاحتجاج بالمرسل دون شاهد بالاعتبار يبين انه من قبيل المعتبر دون الملغى» (٢).
وموضع الفجوة في هذا الاستدلال اعتبار المصلحة مترددة بين القسمين إذا أريد من ترددها ترددها بين ما دلّ على الاعتبار من النصوص ، وما دلّ على الإلغاء ، لافتراض القائلين بالاستصلاح ان النصوص غير متعرضة لها اعتبارا أو إلغاء ، وإنما اكتشفوا اعتبارها من قبل الشارع بدليل العقل ، فهي إذن معتبرة من الشارع ولكن من غير ما عهد منه ، فهي قسم ثالث في عرض ذينك القسمين.
وان شئت ان تقول : ان الاعتبار على قسمين : معهود من الشرع بطريق
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ١٤٣ وما بعدها.
(٢) مصادر التشريع : ص ٧٩ نقلا عنه.