وهو كلام لا أعرف له مدلولا يمكن الاطمئنان إليه لاضطراب في تحديد معنى الرتبة هنا ، فالذي يظهر من بعض أقوالهم ان مرادهم بها ان تقدم الكتاب على السنّة من قبيل تقدم الحاكم على المحكوم ، أي مع وجود دليل من الكتاب لا ينظر إلى السنّة ولا تلتمس كدليل ، وهي أشبه بما ذكرنا من التقدم الرتبي لأدلة الأمارات على الأصول ، ولكن بعضها الآخر يبدو منه ان المراد منها هو السبق الرتبي من حيث الشرف والأهمية ، ووجودها أقرب إلى الوجود الظلي بالنسبة للكتاب ، وفي ثالث من الأقوال ان الكتاب يقدم عليها عند التعارض فسبقه الرتبي من حيث أرجحيته في هذا الباب.
ومن أدلتهم على هذا السبق الرتبي تتضح وجهات النّظر ، وان كان قد جمع بعض المتأخرين بين هذه الأدلة وكأنها مساقة لمبنى واحد ، في تفسيرها لا لمباني متعددة.
وأول هذه الأدلة : قولهم : «ان الكتاب مقطوع والسنة مظنونة ، والقطع فيها انما يصح على الجملة لا على التفصيل ، بخلاف الكتاب فانه مقطوع به على الجملة والتفصيل ، والمقطوع به مقدم على المظنون ، ولعله لا يوجد من متواترها القولي شيء» (١).
وهذا الدليل يصلح للقول الثالث أي تقديم الكتاب على السنة عند المعارضة لا مطلقا ، إذ لا معنى لرفع اليد عن المظنون بالمقطوع مع عدم المعارضة ، وكلاهما حجة كما هو الفرض.
والمعارضة لا تتعقل بين الكتاب والسنة بما هي قول أو فعل أو تقرير ، لاستحالة تناقض الشارع على نفسه ، وإنما تمكن في الأخبار الحاكية لها ، وعليها يقتضي أن تحرر المسألة في تقدم الكتاب على أخبار الآحاد لا على السنة.
__________________
(١) أصول الفقه للخضري : ص ٢٣٧.