وقد سبق ان أيدنا دعوى من يذهب إلى طرح الأخبار إذا خالفت الكتاب ولم يمكن الجمع بينها وبينه ، لنفس هذا الدليل وللأخبار الآمرة بطرح ما يخالف الكتاب.
ثانيها : قولهم : «إن السنة ، إما بيان للكتاب أو زيادة على ذلك ، فإن كانت بيانا فالبيان تال للمبين في الاعتبار ، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان لا العكس ، وما شأنه هذا فهو أولى بالتقدم ، وإن لم يكن بيانا فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب ، وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب» (١).
وهذا الدليل يصلح للاستدلال به على التقديم من حيث الشرف والأولوية ، لا من حيث الاقتصار على الكتاب مع وجوده ، لعدم إمكان الاستغناء عن البيان بحال ، وما دامت السنة بيانا للكتاب فهي متممة للاستدلال به ، بل كلاهما يكونان دليلا واحدا ، لبداهة أن ما يحتاج إلى البيان لا ينهض بالدليلية إلا به ، ولكن اعتبار التقدم في الرتبة على أساس التفاضل في المكانة لا معنى لإدراجه في مباحث الأصول والتماس الأدلة له لعدم إعطائه أية ثمرة عملية في مجالات الاستنباط.
ثالثها : «ما دل على ذلك من الأخبار كحديث معاذ وأثر عمر ، اللذين تقدم ذكرهما ، ومثله عن ابن مسعود : (من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ومثل ذلك عن ابن عباس وهو كثير في كلام السلف والعلماء وهو الوجه في تفرقة الحنفية بين الفرض والواجب» (٣) وهذا الدليل صالح للدلالة على المبنى الأول في التقدم الرتبي ، أي مع قيامه لا ينظر إلى السنة ولا تعتبر دليلا.
__________________
(١) أصول الفقه للخضري : ص ٢٣٧.
(٢) مستدرك الحاكم : ٤ ـ ٩٤.
(٣) أصول الفقه للخضري : ص ٢٣٧.