وهذا المذهب من أغرب المذاهب ، إذ كيف يعقل الاستغناء بالكتاب عن السنة ومنها بيانه وشروحه وشروط أحكامه وأدلتها؟ فهل يكتفي ابن مسعود أو عمر أو ابن عباس ، لو صح عنهم ذلك ، بالرجوع إلى الكتاب والاكتفاء به في حكم واحد من الأحكام فضلا عن جميع ما ورد فيه منها ، وهم يعلمون من طريقة الكتاب في البيان هي الاتكال على القرائن المنفصلة ، والسنة هي الكفيلة ببيانها؟ وكيف يسوغ لهم العمل بظواهره مع هذا الاحتمال؟
على أن هذه الأقوال لا تصلح للاستدلال بها ، لأنها لا تمثل أكثر من رأي أصحابها لو أرادوا ظواهرها ، وهو بعيد ، وهم ليسوا بمعصومين ليجب علينا التعبد بها.
نعم في إقرار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ ما يصلح للاستدلال ، باعتبار ان الإقرار من السنة ، فالاستدلال بها استدلال بالسنة ، إلا أن الكلام في صحة رواية معاذ ، وسيأتي في مبحث القياس إثبات أنها من الموضوعات.
فالحق ان السنة في مجالات الاستدلال صنو للكتاب وفي رتبته ، بل هما واحد من حيث انتسابهما إلى المشرع الأول وهو الله عزوجل ولا يمكن الاستغناء به عنها ، وما أروع ما قاله الأوزاعي : «الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب ، وذلك لأنها تبين المراد منه» (١). وقال رجل لمطرف بن عبد الله : لا تحدثونا إلا بالقرآن ، فقال : «والله ما نريد بالقرآن بدلا ، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا» (٢).
ومن هذا العرض ندرك أن هذه الأدلة لا تصلح ان تكون لمبنى واحد.
__________________
(١) أصول الفقه للخضري : ص ٢٣٤.
(٢) المصدر السابق.