إحدى الطائفتين ، على أن تكذيب إحداهما ليس بأولى من تكذيب الثانية للزوم الترجيح بلا مرجح ، وما ذكر من المرجحات لا يصلح لذلك كما سبق بيانه.
٣ ـ ومع الغضّ عن تحكم المعارضة والأخذ بما ذكروه من الجمع بينها وبين الطائفة الأولى بحمل الثانية على الردع عن القياس الفاسد ، فإن مقتضى هذا الجمع ، هو حمل الطائفة الأولى على القياس الصحيح.
فإذا شككنا في حجية القياس الظني ، فهل نتمكن من إثباته بأحد الإجماعين؟ وهل ذلك إلا من قبيل إثبات القضية لموضوعها؟ وهو مما تأباه جميع القضايا الحقيقية كما سبق ذكره أكثر من مرة.
٤ ـ ومع تسليم حجية هذا النوع من الإجماع والتغاضي عن كل ما أورد عليه ، إلا أن ما قام عليه الإجماع هو نفس القياس لا مسالكه المظنونة ، إذ ليس في هذه الفتاوى ما يشير إلى الأخذ بمسلك من هذه المسالك موضع الخلاف ليصلح للتمسك به على إثباته ، والإجماع ـ كما هو التحقيق فيه ـ من الأدلة اللبيّة التي يقتصر فيها على القدر المتيقن ، إذ لا إطلاق أو عموم لها ليصح التمسك به ـ لو أمكن ـ والقدر المتيقن هو خصوص ما كان معلوم العلة منه فلا يصح التجاوز عنه إلى غيره.
وهذه المناقشات إنما تحسن وتكون ذات جدوى إذا صحّ صدور هذه الروايات على اختلافها ـ في النفي والإثبات ـ من قبل أصحابها بهذه الألفاظ : (الرّأي ، القياس) وبما لها من مداليل ومسالك وفق ما حدودها بعد أكثر من قرن.
ولقد أنكر كل من الأستاذ سخاو ، والدكتور جولد تسهير ، أن يكون القياس بمفهومه المحدد لدى المتأخرين كان مستعملا لدى الصحابة (١).
ورد عليهما الدكتور محمد يوسف موسى بقوله : «حقا ان الرّأي في هذه الفترة
__________________
(١) تاريخ الفقه الإسلامي : ص ٢٦.