نجمع بينهما ـ على هذا المبنى ـ بحمل الأمر على خصوص الصلاة في الليل ، والدليل المحرّم على خصوص الصلاة في النهار ، أو حمل إحداهما على صلاة الشاب ، والأخرى على صلاة الشيخ ، وهكذا ...
والحق أن الجمع بين الأدلة ـ إذا لم يكن له ظاهر من نفس الأدلة أو ما يحيط بها من أجواء وملابسات ـ لا يسوغ الركون إليه.
ومجرد كونها منقولة عمن نقلنا عنهم القول بالرأي والقياس ، لا يستدعي هذا النوع من الجموع. والقاعدة تقتضي الحكم بالتساقط عند تحكم المعارضة.
ودعوى ـ أن الشخص لا يتناقض مع نفسه ، فيذهب إلى القياس تارة وإلى عدمه أخرى ولازمها المدعى تكذيب الطائفة الثانية من الأحاديث ـ بعيدة عن تفهم طبيعة الاجتهاد ، وما أكثر ما تتبدل آراء المجتهدين فيعدلوا عن فتاوى سبق لهم فيها رأي.
وما الّذي يمنع من وقوع ذلك من الصحابة مع الإيمان بعدم عصمتهم؟ بل إن مقتضى العدالة ان ينبهوا على أخطائهم بعد تبين وجه الخطأ فيها لئلا يتكرر وقوع خطأ العاملين بها من أتباعهم.
على أن بعض هذه الروايات صريحة في تسجيل الخطأ على أنفسهم لعملهم بالرأي كما سبق في رواية عمر «اتهموا الرّأي على الدين».
ومن تتبع هذه الفتاوى التي يبدو أن أصحابها عملوا فيها بالرأي ، يجد الكثير منها جاريا على خلاف النصوص لا ضمن إطارها (١) كما يراد حملها عليه من قبل بعض المؤلفين.
ومع إمكان وقوع الاختلاف منهم والتناقض مع أنفسهم لا ملجأ لتكذيب
__________________
(١) راجع : كتاب «النص والاجتهاد» للسيد شرف الدين ، وكتاب «الغدير» للأميني ، تجد فيهما نماذج كثيرة لذلك.