لاستحالة صدور التناقض من الشارع ، وحيث ان الكتاب مقطوع الصدور ومقطوع الدلالة ، فلا بدّ ان يكون الكذب منسوبا إلى الخبر ويتعين لذلك طرحه.
وبهذا العرض يتضح معنى الأخبار الواردة عن المعصومين في اعتبار ما خالف كتاب الله زخرفا ، أو يرمى به عرض الجدار ، وجعل الكتاب مقياسا لصحة الخبر عند المعارضة في الأحكام التي تعرّض لها الكتاب.
واتهام الزنادقة بوضع هذه الأخبار ـ كما ورد على لسان بعض الأصوليين ـ منشؤه عدم إدراك معنى الحديث.
نعم قد يقال ان النسخ يقتضي أحيانا مصادمة الحديث الناسخ للكتاب ، فكيف يجعل الكتاب مقياسا لصحته ، وهذا الإشكال صحيح لو كانت هذه الأحاديث واردة في غير أبواب التعادل المستدعي لتعارض الأخبار ، والتعارض لا يكون إلا في أخبار الآحاد ، وسيأتي أن النسخ لا يكون بخبر الواحد إجماعا على أن النسخ ـ لو لا الإجماع على عدم وقوعه بخبر الآحاد ـ لأمكن القول به هنا أيضا ، لحكومة الدليل الناسخ على الدليل المنسوخ ، ولا تصادم بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم ، فلا تصدق المخالفة مع عدم التصادم ، وسيأتي إيضاح ذلك عما قليل.
أما الدليل الثاني ـ أعني رأي الخليفة عمر ـ فإن أريد من الاستدلال به أنه سنة واجبة الاتباع أخذا بما ذهب إليه الشاطبي ، فقد عرفت ما فيه في مبحث سنة الصحابة ، وإن أريد الاستدلال به بما أنه مذهب الصحابي واجتهاده ، فسيأتي ما فيه ، وأنه لا يصلح ان يكون حجة إلا عليه وعلى مقلديه لا على المجتهدين ، كما هو التحقيق ، على أن الّذي يبدو من الرواية المذكورة تشكيك الخليفة في قيمة روايتها ، وهو أجنبي عن جواز التخصيص بخبر الثقة وعدمه ، فلا تصلح للاستدلال بها أصلا ، والّذي يظهر من إقرار الخليفة عمر للخليفة الأول في