وفي كتاب أبي داود ، قال سعيد : تلك امرأة فتنت النّاس ، إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى.
قال عكرمة : في مصحف أبيّ «إلا أن يفحشن عليكم» (١).
ويقوي هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روي أن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس : اتّقي الله ، فإنك تعلمين لم أخرجت.
وعن ابن عبّاس أيضا : أن الفاحشة كل معصية كالزّنا والسرقة والبذاء على الأهل (٢) ، وهو اختيار الطبري.
وعن ابن عباس أيضا والسدي : «الفاحشة خروجها من بيتها في العدة» (٣).
وتقدير الآية : إلا أن يأتين بفاحشة لخروجهن من بيوتهن بغير حق ، أي : لو خرجت كانت عاصية.
وقال قتادة : «الفاحشة» النشوز ، وذلك أن يطلقها على النّشوز ، فتتحول عن بيته(٤).
وقال ابن العربي (٥) : أما من قال : إنه الخروج للزنا ، فلا وجه له ؛ لأن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام ، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام ، وأما من قال : إنه البذاء ، فهو معتبر في حديث فاطمة بنت قيس ، وأما من قال : إنه كل معصية فوهم ، لأن الغيبة ونحوها من المعاصي لا تبيح الإخراج ولا الخروج ، وأما من قال : إنه الخروج بغير حقّ فهو صحيح ، وتقدير الكلام : لا تخرجوهن من بيوتهن ، ولا يخرجن شرعا إلا أن يخرجن تعدّيا.
قوله : (مُبَيِّنَةٍ).
قرىء : بكسر الياء.
ومعناه : أن الفاحشة إذا تفكّرت فيها تبين أنها فاحشة.
وقرىء (٦) : بفتح الياء المشددة.
والمعنى : أنها مبرهنة بالبراهين ، ومبينة بالحجج.
قوله : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ).
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٢٦).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٢٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٥٢) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٠٣ ، وأحكام القرآن ٤ / ١٨٣٢.
(٦) قرأ بها عاصم كما في : المحرر الوجيز ٥ / ٣٢٣ ، وينظر : الكشاف ٤ / ٥٥٤ ، والرازي ٣٠ / ٣٠.