وقال كردم بن أبي السائب : خرجت مع أبي إلى المدينة أول ما ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم فآواني المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء الذئب ، فحمل حملا من الغنم ، فقال الراعي : يا عامر الوادي جارك الله ، فنادى مناد : يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة ، فأنزل الله تعالى على رسوله السيد الكامل المكمل سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم بمكة : «وأنّه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا» ، أي : زاد الجنّ الإنس رهقا ، أي: خطيئة ، وإنما قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم (١).
والرّهق : الإثم في كلام العرب وغشيان المحارم ، ورجل رهق إذا كان كذلك ، ومنه قوله : (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس : ٢٧] ؛ وقال الأعشى : [البسيط]
٤٨٩٥ ـ لا شيء ينفعني من دون رؤيتها |
|
هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا (٢) |
يعني إثما ، ورجل مرهق ، أي : يغشاه السائلون.
قال الواحديّ : الرّهق : غشيان الشيء ، ومنه قوله تعالى : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ).
وأضيفت الزيادة إلى الجن إذ كانوا سببا لها.
وقال مجاهد أيضا : «فزادوهم» أي : أن الإنس زادوا الجنّ طغيانا بهذا التعوذ ، حتى قالت الجنّ : «سدنا الإنس والجن» (٣).
وقال قتادة أيضا ، وأبو العالية والربيع وابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقا وخوفا من الجن(٤).
وقال سعيد بن جبير : كفرا.
ولا يخفى أنّ الاستعاذة بالجنّ دون الاستعاذة بالله شرك وكفر.
وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجنّ ، فالمعنى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون من شرّ الجنّ برجال من الإنس وكان الرجل من الإنس يقول مثلا : أعوذ بحذيفة بن بدر من جنّ هذا الوادي.
قال القشيريّ : وفي هذا تحكم إذ لا يبعد إطلاق لفظ الرّجال على الجن.
وقوله : (مِنَ الْإِنْسِ) صفة ل «رجال» وكذلك قوله (مِنَ الْجِنِّ).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٦٣) عن قتادة وابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٢) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٢) ينظر : القرطبي ١٩ / ٨ ، والبحر ٨ / ٣٤١ ، وروح المعاني ٢٩ / ١٠٦.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٢) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٦٤) عن الربيع بن أنس وابن زيد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٣) عن الربيع بن أنس وعزاه إلى عبد بن حميد.