وقال القرطبي (١) : وقيل : أضاف النظر إلى العين ؛ لأن العين في الوجه فهو كقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥] والماء يجري في النهر لا النهر ثم قد يكون الوجه بمعنى العين ، قال تعالى : (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) [يوسف : ٩٣] ، أي على عينيه ، ثم لا يبعد قلب العادة غدا حتى يخلق النظر في الوجه وهو كقوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) [الملك : ٢٢].
فقيل : يا رسول الله ، كيف يمشون في النّار على وجوههم؟ قال : «الّذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» (٢).
قوله : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) ، أي : وجوه الكفار يوم القيامة شديدة كالحة.
والباسر : الشديد العبوس ، والباسل : أشد منه ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحة.
وفي «الصّحاح» (٣) : وبسر الفحل الناقة وابتسرها : إذا ضربها ، وبسر الرجل وجهه بسورا أي : كلح ، يقال : «عبس وبسر».
وقال السديّ : «باسرة» متغيّرة ، والمعنى : أنها عابسة كالحة قد أظلمت ألوانها (٤).
قوله تعالى : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ). أي : توقن وتعلم.
قال ابن الخطيب (٥) : هكذا قاله المفسرون ، وعندي أن الظن هنا إنما ذكر على سبيل التهكم ، كأنه قيل لما شاهدوا تلك الأحوال حصل فيهم ظن أن القيامة حق.
والفاقرة هي الداهية العظيمة ، قاله أبو عبيدة.
سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر.
قال النابغة : [الطويل]
٥٠٠٣ ـ أبى لي قبر لا يزال مقابلي |
|
وضربة فأس فوق رأسي فاقره (٦) |
أي : داهية مؤثّرة ، يقال : فقرته الفاقرة ، أي : كسرت فقار ظهره. قال معناه مجاهد وغيره ، ومنه سمي الفقير لانكسار فقاره من القلّ وقد تقدم في البقرة (٧).
__________________
(١) ينظر الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٧٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر الصحاح ٢ / ٥٨٩.
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (١٩ / ٧٠).
(٥) ينظر الرازي ٣٠ / ٢٠٣.
(٦) يروى إن لي قبرا ، مكان أبى لي قبر.
ينظر ديوانه (١٢١) ، والقرطبي ١٩ / ٧٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٧٤ ، والدر المصون ٦ / ٤٣١ ، وفتح القدير ٥ / ٣٣٩.
(٧) آية ٢٦٨.