أن ننظر إلى أن إرادة الله الأزلية كيف تعلّقت بهذه الأمور؟
فإنّ من المسلّم به أن الله تعالى قد أراد أن يكون لكل معلول علّة ، ولكل مسبب سبب ، فأراد سبحانه للشمس أن تشرق غير شاعرة (١) ولا مختارة (أي أنها مضطرة) وأراد للإنسان أن يقوم هو بأفعاله بملء إرادته واختياره وحريته المطلقة.
فلم تتعلق إرادة الباري بصدور الفعل من العبد كيفما كان حتى ولو عن طريق الجبر ، بل إرادته تعلّقت بصدوره من العبد مختارا.
التفسير الثالث :
علمه سبحانه الأزلي بأفعال العباد.
تقريره :
ان الثابت في محلّه أنّ علمه عزوجل متعلّق بجميع الموجودات ولم يخرج شيء عن علمه سبحانه ، ومنها أفعالنا ، فكل ما يصدر منّا متعلق لعلمه فيجب وجوده وإلّا لزم كون علمه تعالى جهلا ، وإن شئت قلت : إنّ لتعلّق علمه تعالى بالفعل الخارجي له خصوصية على نحو العلة التامة بحيث لا بدّ وأن يوجد الفعل جبرا أو يتبدّل علمه بالجهل في حال لم يتحقق الفعل الخارجي ، وحيث إن الثاني محال فيتعيّن الأول.
وبتقرير آخر :
إن الله تعالى كان من الأزل مطّلعا على حركة هذا النظام وما فيه وأيضا هو تعالى عالم قبل أن يخلق هذا الخلق بأفعال المجرمين كسكر السكارى وقسوة السفّاكين بل أنه تعالى كان يعلم اللحظة التي سيقوم المجرم أو الخائن بعملهما المنحرف.
والجواب :
أولا : أن التصوّر الخاطئ للعلم الأزلي لله تعالى ، والذي أراد منه الخصم أن يكون سندا لمسألة الجبر باطل من أساسه لأنّ علمه تعالى لا يكون متعلقا بأفعالنا وحدها ، بل هو متعلّق بها وبمقدماتها وإلّا لزم كون علمه محدودا واتّصافه بمقابل العلم ، وهذا ينافي كون العلم من الصفات الذاتية ، وحيث إن من مقدمات الفعل الاختياري الاختيار والإرادة فيكون عالما بصدور الفعل عن الاختيار ، ولو
__________________
(١) «غير شاعرة» بناء على عدم الاعتقاد بالحركة الجوهرية ، لأنّ هذه النظرية نثبت كون الأشياء في حركة دائمة تسبّح بحمد ربها ، والتسبيح فرع الشعور والإدراك.