احترز الإلهيون عن توصيفه بهما لأجل الابتعاد عمّا يوهم التجسيم ولوازمه (١).
ثانيا : لو كان قيام المبدأ على ذاته وصفيا لا فعليا ، لكان الهواء الذي نقوّم به الحرف والصوت متكلما وهو باطل لأنّ أهل اللغة لا يسمون المتكلّم إلّا من فعل الكلام لا من قام به الكلام ، ولهذا كان الصدى غير متكلم لأنه قام بالهواء ، وقالوا : تكلّم الجنّي على لسان المصروع لاعتقادهم أن الكلام المسموع من المصروع فاعله الجنّي.
تبقى مسألة هي :
هل القرآن حادث أم قديم؟
أثير الجدل في أوساط المسلمين حول كلام الله تعالى في القرآن هل هو حادث أم قديم؟ فيه قولان :
الأول : أنه قديم بمعانيه وحروفه حتى الجلد والغلاف ، وعليه الحنابلة والأشاعرة وكفّروا من قال بحدوثه ، قال أبو الحسن الأشعري في الإبانة ص ٢١ : «ونقول إن القرآن كلام الله ، غير مخلوق وإنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر». فعلى هذا يعتبر عندهم كل المسلمين كفّارا وهم المسلمون الموحّدون.
الثاني : أنه حادث وبه قالت الإمامية وتبعهم المعتزلة ، وهو الحق الصريح واستدلّوا عليه بوجوه :
الوجه الأول :
لو كان قديما للزم تعدد القدماء وهو باطل لأنّ القول بقدم غير الله كفر بالإجماع ، ولهذا كفرت النصارى لقولها بقدم الأقانيم الثلاثة.
الوجه الثاني :
إن القرآن الكريم مركّب من الأصوات والحروف التي يعدم السابق منها بوجود لاحقه تلفظا وواقعا ، والقديم لا يجوز عليه العدم.
الوجه الثالث :
لو كان كلامه قديما للزم الكذب عليه تعالى ، واللازم (أي الكذب عليه) باطل ، فالملزوم (أي كون كلامه قديما) باطل مثله.
__________________
(١) الإلهيات : ج ١ ص ٢٠٤.