باب موجبا لسدّه وسقوط الاعتماد عليه لكان سدّ باب الحسّ أوجب وألزم ، وذلك لتبدّل النظريات المعتمدة على الحسّ ، حيث إن هناك نظريات علمية طبيعية جاء بها أصحابها معتقدين بصحتها ثم تبين بعد ذلك بطلانها ، فمثلا : جاء آنشتاين بنظرية النسبية فعارضه كثير من علماء الطبيعة في بدء الأمر ، ثم صارت عندهم من مسلّمات العلم الحديث ، فإذا كان احتمال الخطأ قائما في كل تجربة حسيّة فكيف تكون حينئذ يقينية الصدق كما ادعى أصحابها؟!
الثالث : لو سلّمنا جدلا بقبول جميع العلوم الحسية للتجربة ، لكن من الواضح أنّ نفس التجربة ليس ثبوتها بتجربة أخرى ، وهكذا إلى ما لا نهاية ، بل العلم بصحتها إنما يكون عبر الطريق العقلي لا الحسي ، فالاعتماد على الحسّ والتجربة هو بنفسه اعتماد على العلم العقلي اضطرارا.
الرابع : ثبت بالوجدان والحس وجود أنواع من الكائنات لا يبلغها الإحصاء ومع هذا لا تجري عليها يد التجربة بحال ولا ترى بالمنظار المكبّر منها : الجاذبية الأرضية والملكات والغرائز النفسانية والتصورات الخيالية.
المعرفة الحضورية :
ويراد منها : المعرفة الحاصلة للإنسان عن طريق الشهود القلبي الباطني من دون توسّط مفاهيم ذهنية ، وينالها المرتاض بالرياضات الشرعية المعبّر عنها ب «التخلية والتحلية» فتخليتها بتصفيتها من رذائل الأخلاق ، وتحليتها بأشراق الأنوار ومعالي الصفات.
وهذه المعرفة مطلوبة بالذات إلّا أن تحصيلها صعب عند أكثر الأفراد ، ولها مصاديق متفاوتة قوة وضعفا بحسب شدة التوجه وقلته ، وأقلّ مراتبها علم الإنسان بذاته ، فمن منّا لا يعلم بوجود نفسه؟!
فشعور الإنسان بوجوده المعبّر عنه ب «الأنا» دليل على علمه الحضوري وشهوده الداخلي بذاته ، فلا ينال العلم بذاته عن طريق التجربة والصور والمفاهيم الذهنية ، وفي هذا العلم لا يوجد تعدد وتغاير بين العلم والمعلوم أو كما قيل هناك وحدة بين العالم والمعلوم ، بعكس النوع الأول من المعرفة حيث يوجد واسطة بين العالم والمعلوم وبفضل تلك الواسطة يحصل العلم.
ومن يملك هذه المعرفة الشهودية ، والتي يمكن تسميتها «بقوة الحدس»