حتى يقال أنه كلام نفسي ، كل ما هنالك أنه سبحانه عالم بما سوف يجريه على مخلوقاته. هذا التحليل يختلف عمّا يعتقده الأشاعرة حيث قالوا : إن هناك شيئا وراء العلم اسمه الكلام واستدلّوا عليه :
الدليل الأول :
إنّ الكلام النفسي غير العلم لأنّ الرجل قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشك فيه ، فالأخبار عن الشيء غير العلم به (١).
يلاحظ عليه :
إنّ ما ذكروه من الكلام النفسي وأنه غير العلم لا يمكن تصوره ، لأنّ المتصوّر إما القدرة الذاتية التي تصدر عنها الحروف والأصوات وقد قالوا إن النفسي مغاير للقدرة الذاتية ، وإما أن يكون المتصوّر هو العلم وقد قالوا إن النفسي مغاير له ، وباقي الصفات ليست صالحة لمصدرية ما قالوه ، وإذا لم يكن الكلام النفسي متصوّرا لم يصح إثباته ، إذ التصديق مسبوق بالتصور.
وبعبارة أخرى :
إنّ ما يتصوره المرء في أفق النفس ـ حتى ولو أخبر بخلافه ـ لا يخلو كونه أحد أقسام العلم ، لأنه إمّا تصور أو تصديق ، وليس هناك شيء وراء التصور والتصديق حتى يمكن أن يقال : إن الكلام النفسي غير العلم أو وراء العلم حتى نسمّيه كلاما نفسيا ، فما تصوروه لا يمكن تصوره.
الدليل الثاني :
إنّ لفظ الكلام كما يطلق على الكلام اللفظي ، يطلق على الموجود في النفس من دون لحاظ عناية قال سبحانه : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (الملك / ١٤).
فهذا الموجود المرتّب في النفس هو الكلام النفسي ويدلّ عليه الكلام اللفظي (٢).
__________________
(١) شرح المواقف : ج ٢ ص ٩٤.
(٢) تقريرات الفيّاض : ج ٢ ص ٣١ والإلهيات : ج ١ ص ٢٠٤.