كالجسمية حتى يتناقض مع صرفيته وأحديته ، فلا ريب في إمكان وقوعها لأن في إرسال الرسل وإنزال الكتب إتماما الحجة على المكلّفين وسدّ العذر عليهم بعد أن كان محتجبا عنهم لا يلامسهم ولا يلامسوه ، ورد عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال : إنّا لما أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أنّ له سفراء في خلقه ، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، المعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء عليهمالسلام وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها (١).
المقام الثاني :
اتفق الملّيّون وأتباع الأديان وجماعة من الفلاسفة على إمكان وقوع النبوة خارجا ، ومنعته البراهمة المنتسبين إلى «براهم» حيث مهّد لهم نفي النبوات من الأساس ، واستدلّوا على ذلك بوجوه أربعة (٢) هي :
الوجه الأول :
إنّ الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا.
فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه فأي حاجة لنا إلى الرسول؟
وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا ، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حدّ الإنسانية ودخول في حريم البهيمية.
يجاب عنه :
١ ـ إنّ إتيان الأنبياء بما يوافق العقول يكون تأكيدا لحكم العقل أو إرشادا له كقبح الظلم وضرورة شكر المنعم ووجوب رد الوديعة ، فهذه كلها أحكام عقلية ضرورية أكدها الأنبياء وفصّلوا ما أجمل منها ، فمثلا يحكم العقل بوجوب رد
__________________
(١) أصول الكافي : ج ١ ص ١٦٨ ح ١.
(٢) هذه الوجوه ذكرها الشهرستاني في الملل : ج ٢ ص ٢٥١.