وتحصيل رتبة الاجتهاد يحتاج إلى كثير من المعارف والعلوم التي لا تتهيأ إلّا لمن جدّ واجتهد وفرّغ نفسه وبذل وسعه لتحصيلها.
* * *
في هذا البحث عدة نقاط :
النقطة الأولى : الغاية من الاجتهاد :
الغاية من كل علم هي الهدف الذي من أجله درّس هذا العلم وإلّا أصبحت دراسته عبثا ، بل إن كلّ شيء في الكون مرسوم إلى غاية منشودة لأجلها وجد هذا الشيء.
فالغاية من خلق الكائن ذي الشعور هي المعرفة والعبادة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات / ٥٧).
وكذا كل العلوم إنما وجدت لأجل هدف وغاية ، فالغاية من علم الطب رفع الألم عن الجسد ، وعلم الصناعات غايته تحسين البنية الاقتصادية عند الشعوب ، وهكذا بقية العلوم الاعتبارية في عالم الطبيعة.
وبما أن الاجتهاد في تحصيل الدليل على الأحكام الفرعية من المنابع الفكرية الأساسية في الإسلام هو علم كبقية العلوم التي تتطلب السعي والجهد لتحصيل الدليل على أمر شرعي ، فإنّ غايته رفع المستوى الثقافي والعملي لدى الفرد المسلم والسير نحو حياة أفضل. والاجتهاد في منابع الشريعة من أهم الأمور التي ينبغي للأمة الإسلامية التي هي خير الأمم (بما لديها من طاقات فكرية وعقائدية وسياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية) أن تفرّغ جماعة منها لتحصيله لئلا تبقى فارغة في مجالي العقيدة والسلوك ، تماما كتفرّغ جماعة منها لتحصيل علم الطب أو الهندسة أو غير ذلك ، بل إن تحصيل الاجتهاد لتحصيل الحكم أهم بكثير من بقية العلوم ، لأنّ تلك العلوم إذا لم تكن مقرونة بالإيمان به سبحانه والاعتقاد بما جاء به الأنبياء فستكون وبالا على أصحابها ، ومصدر فساد لأفراد الإنسانية ، لذا تندرج هذه العلوم في عداد الخدم والعبيد لعلم الشريعة الذي يكشف عنه علم خاص يسمى ب «الاجتهاد».
النقطة الثانية : معنى الاجتهاد :
الاجتهاد مأخوذ من «الجهد» بالضم والفتح ، بمعنى الوسع والطاقة ، أو