لكونها شبهة في مقابل البديهة ، فأخبار التحريف ـ مع تضارب مضامينها وتهافتها في أنفسها ـ لا تزيد على كونها أخبار آحاد ، وهي لا تنهض للوقوف أمام التواتر الموجب للقطع بأن هذا القرآن الّذي بأيدينا هو القرآن الّذي نزل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دون أن يزاد أو ينقص فيه.
وحسبك ان تعرض ما ادعي إسقاطه أمثال سورتي الحفد والخلع وآية الرجم ـ المأثورة عن الخليفة عمر ـ على أي سورة من سور القرآن ، لترى تباين أسلوبيهما واختلافهما من حيث المستوى البلاغي بما يقتضيه من عظم الأسلوب وروعة المضامين وعدمهما ، على ان دعوى النقيصة فيه لو أمكن ان تكون ، فان الّذي يتحمل مسئوليتها عادة الخليفة الثالث لحرقه المصاحف الكاملة.
ومثل هذه المسئولية لا يمكن ان يسكت عليها الرّأي العام المسلم بما فيهم المهاجرون والأنصار ، وهم الذين أنكروا عليه أمورا لا يقاس أعظمها فظاعة بالتلاعب في آيات الله ، ولكانت عمليته هذه من أعظم وثائق الإدانة بيد الثوار للتشنيع عليه ، وهذا ما لم يحدثنا عنه التاريخ ولم يشر إليه بحرف ، على ان الثائرين ـ وقد تم لهم القضاء على عثمان ـ كان بوسعهم أن يعيدوا الأمور إلى نصابها الطبيعي ، فيخرجوا ما لديهم من النسخ الكاملة للقرآن الكريم وينشروها بين الناس كردّ من ردود الفعل التي تقتضيها طبيعة الثورة.
والّذي يبدو ان عمل عثمان في جمع الناس على رسم واحد للمصحف ولهجة واحدة ، كان له صداه العميق في نفوسهم ، لذلك ، كانت استجابتهم له استجابة جماعية بتسليم ما لديهم من النسخ والتعويض عنها بالنسخة الجديدة ذات الرسم المعين واللهجة المعينة.
والظاهر ان الكثير من تلكم الروايات أراد أصحابها التشنيع بها على عثمان ، مثل رواية أبي موسى الأشعري وبعض روايات عائشة السابقة وغيرها ، ولم تلق