من الناس تشجيعا كافيا ، وإلا فما الباعث لأبي موسى على جمع قراء البصرة وإخبارهم بما أخبرهم به من النقص؟ هذا لو قلنا بصحة نسبة هذه الروايات لأصحابها ، وهي موضع شك وتأمل رغم روايتها في الصحاح المأثورة.
والّذي يهوّن الخطب ان أمثال هذه الروايات لم تجد لها أي صدى في نفوس جميع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم شيعة وسنة ، إلا من شذ منهم. يقول الشيخ الطوسي : «وأما الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضا ، لأن الزيادة مجمع على بطلانها والنقصان منه ، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها» (١) ومثل هذا المضمون ورد في كثير من كتب الشيعة والسنة على السواء ، وتواتره أوضح من أن يطال فيه الحديث. وما أجمل ما ذكره المرتضى في ذلك ، حيث قال : «إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه ما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل ما اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز ان يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد» (٢).
__________________
(١) التبيان : ١ ـ ٣.
(٢) مجمع البيان : ١ ـ ١٥.