ولقد ألّفت كتب في تعدادها وشرحها أمثال كتاب «أسباب اختلاف الفقهاء» لعلي الخفيف ، و «الإنصاف» للبطلميوسي الأندلسي وغيرهما.
وقد أوجز ابن رشد في مقدمة كتابه «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» هذه الأسباب وحصرها في ستة :
«أحدها : تردد الألفاظ بين هذه الطرق الأربع ، أعني بين ان يكون اللفظ عاما يراد به الخاصّ ، أو خاصا يراد به العام ، أو خاصا يراد به الخاصّ ، أو يكون له دليل خطاب أو لا يكون.
والثاني : الاشتراك الّذي في الألفاظ ، وذلك اما في اللفظ المفرد كلفظ القرء الّذي يطلق على الأطهار وعلى الحيض ، وكذلك لفظ الأمر هل يحمل على الوجوب أو على الندب ، ولفظ النهي هل يحمل على التحريم أو الكراهية. واما في اللفظ المركب مثل قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا)(١) فانه يحتمل ان يعود على الفاسق فقط ، ويحتمل ان يعود على الفاسق والشاهد فتكون التوبة رافعة للفسق ومجيزة شهادة القاذف.
والثالث : اختلاف الإعراب.
والرابع : تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو حمله على نوع من أنواع المجاز التي هي إما الحذف وإما الزيادة وإما التأخير وإما تردده على الحقيقة أو الاستعارة.
والخامس : إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة ، مثل إطلاق الرقبة في العتق تارة وتقييدها بالإيمان تارة.
والسادس : التعارض في الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي يتلقى منها الشرع الأحكام بعضها مع بعض ، وكذلك التعارض الّذي يأتي في الأفعال أو في الإقرارات ، أو تعارض القياسات أنفسها ، أو التعارض الّذي يتركب من هذه
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٦٠ وسورة آل عمران : الآية ٨٩ وسورة النساء : الآية ١٤٦ وسورة المائدة : ٣٤.