مختلفا السيرة ، فأبو بكر ساوى في توزيع الأموال الخراجية وعمر فاوت فيها ، وأبو بكر كان يرى طلاق الثلاث واحدا ، وعمر شرّعه ثلاثا ، وعمر منع عن المتعتين ، ولم يمنع عنهما الخليفة الأول ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى.
وعلى هذا ، فأية هذه السير هي السنة؟ وهل يمكن ان تكون كلها سنة حاكية عن الواقع ، وهل يتقبل الواقع الواحد حكمين متناقضين؟! وما أحسن ما ناقض الغزالي أمثال هذه الروايات بقوله : «فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله ، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ؟ وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة متواترة؟ وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف؟ وكيف يختلف المعصومان؟ كيف ، وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة؟ فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه ، فانتفاء الدليل على العصمة ووقوع الاختلاف بينهم وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلة قاطعة» (١).
على أن بعض هذه الروايات أضيق من المدعى لاختصاصها بالخلفاء الراشدين ، كالرواية الأولى ، فتعميمها إلى مختلف الصحابة لا يتضح له وجه ، والروايات الباقية أجنبية عن إفادة إثبات جعل الحجية لما يصدر عنهم ، وغاية ما تدل عليه ـ لو صحت أسانيدها ـ مدحهم والثناء عليهم ، والمدح والثناء لا يرتبطان بعالم جعل الحجية للممدوحين.
على ان هذه الروايات ـ على تقدير تمامية دلالتها ـ مخصصة بما دل على ارتداد أكثرهم ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، فقلت : أين؟
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ١٣٥.