في علوم الخلاف الدائر بين الأئمة المعتبرين ، فتجدهم إذا عينوا مذاهبهم قدّموا ذكر من ذهب إليها من الصحابة ، وما ذاك إلا لما اعتقدوا في أنفسهم وفي مخالفيهم من تعظيمهم وقوة مآخذهم دون غيرهم وكبر شأنهم في الشريعة ، وانهم مما يجب متابعتهم وتقليدهم فضلا عن النّظر معهم فيما نظروا فيه ، وقد نقل عن الشافعي أن المجتهد قبل ان يجتهد لا يمنع من تقليد الصحابة ويمنع من غيره ، وهو المنقول عنه في الصحابي : كيف أترك الحديث لقول من لو عاصرته لحججته؟ ولكنه مع ذلك يعرف لهم قدرهم» (١).
والجواب على هذا النوع من الاستدلال أنه أجنبي عن اعتبار ما يصدر عنهم من السنة ، وغاية ما يدل عليه ـ لو صح ـ ان جمهور العلماء كانوا يرونهم في مجالات الرواية أو الرّأي أوثق أو أوصل من غيرهم ، والصدق والوثاقة وأصالة الرّأي شيء وكون ما ينتهون إليه هو من السنة شيء آخر ، وقول الشافعي الّذي نقله نفسه يبعدهم عن هذا المجال ، إذ كيف يمكن له ان يحج من كان قوله سنة؟ وهل يستطيع ان يقول مثل هذا الكلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
على ان هذا النوع من الترجيح لأقوالهم لا يعتمد أصلا من أصول التشريع ، والعلماء لم يتفقوا عليه ليشكل اتفاقهم إجماعا يركن إليه.
الرابع : «ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبتهم ، وذم من أبغضهم ، وان من أحبهم فقد أحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن أبغضهم النبي عليه الصلاة والسّلام ، وما ذاك من جهة كونهم رأوه أو جاوروه فقط ، إذ لا مزية في ذلك ، وانما هو لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته مع حمايته ونصرته ، ومن كان بهذه المثابة حقيق ان يتخذ قدوة وتجعل سيرته قبلة» (٢).
__________________
(١) الموافقات : ٤ ـ ٧٧ وما بعدها.
(٢) الموافقات : ٤ ـ ٧٩ وما بعدها.