مدخل لدراسة الفقه المقارن يتكفل لنا بعرض الأسس التي سوف نرتكز عليها في مقام الموازنة والتقييم ، أي ان نبحث الأصول والمباني العامة التي كان يرتكز عليها المجتهدون في استنباطهم للأحكام على أساس من المقارنة.
والا فان من الظلم ان نفترض لأنفسنا آراء مسبقة فيها ثم نحاول ان نجعلها منطلقا للمقارنة وإصدار الحكم على أساسها ، من دون ان نعمد إلى التعرف على وجهات نظر الآخرين فيها ، وربما كان الحق في جانبهم في الكثير منها.
وفي اعتقادي ان الحديث عن هذه الأسس والمباني ـ كمدخل لدراسة الفقه المقارن ـ ضرورة تقتضيها طبيعة المقارنة ، بل لا تكون المقارنة الا من خلال ما ينتهي إليه المقارن منها.
أما الحديث عن القسم الثاني فلست أرى ضرورة التوسع فيه هنا ـ وان كنا سنشير إلى المهم من مباحثه ـ لعدم وجود وحدة قياسية يمكن الرجوع إليها في مختلف المسائل ، وان جعلت لها ضوابط في كثير من كتب الأصول التقليدية ، والسر في ذلك ان أكثرها مما يعود إلى تشخيص الظهور للأدلة اللفظية ، وفي أكثرها تتحكم القرائن الخاصة التي لا يمكن ضبطها بقاعدة ، على ان الخلاف فيما جعل لها من الضوابط نادر جدا وهو مما لا يستحق ان يطال فيه الحديث.
وعلى هذا فان مدخل هذه الدراسة سوف يتمحض لدراسة الأصول والمباني العامة ، أو قل ما يصلح ان يقع كبرى لقياس الاستنباط ، مع الإشارة إلى قسم من تلك الضوابط التي تصلح ان تكون مرجعا للمجتهد عند الشك في تشخيص إحدى الصغريات وإطالة الكلام في بعضها تبعا لحدود ما وقع فيها من اختلاف.