تركه ، فهي من نوع بناء العقلاء مع تضييق في نوع من يصدر عنهم ذلك البناء ، وحجية مثل هذه السيرة إنما تكون بعد إثبات امتدادها تاريخيا إلى زمن المعصوم وإثبات مشاركته لهم في السلوك فيما يمكن صدوره منه أو إقرارها من قبله ، ولو من قبيل عدم ردعه عنها مع إمكان الردع والاطلاع عليها فيما لم يمكن صدورها منه.
ومع عدم إثبات ذلك لا مجال للتمسك بها بحال ، وما أكثر السير المنقطعة من وجهة تاريخية لكونها حادثة ، أو لا يمكن إثبات امتدادها لذلك الزمن.
والمقياس في حجيتها كشفها عن فعل المعصوم أو إقراره كشفا قطعيا ليصح الاحتجاج بها.
وبهذا ندرك قيمة ما يحتج به أحيانا من ادعاء قيام السيرة القطعية على فعل شيء أو تركه مع عدم إمكان إثبات امتدادها تاريخيا إلى زمن المعصوم ، وقد يكون منشؤها فتوى سائدة يمر عليها جيل أو جيلان ، تتخذ طابع السيرة لدى الناس.
وكثير من الأعراف والعادات التي تشيع في بلد ما أو بيئة معينة حسابها نفس هذا الحساب ، وإن أصبح لها في نفوس العوام طابع الشعار المقدس.
وسيأتي في مبحث العرف ان قسما من الفتاوى التي سادت في بعض المذاهب لا منشأ لها إلا هذا العرف المستحدث ، وهو ما لا يصلح ان يكون حجة.
وربما عرضنا في مبحث العرف جملة من أقوال العلماء بما يكشف عن التقاء في وجهات النّظر في مناشئ اعتبار الحجية لها وعدمها.
وعلى أي حال فما كشف عن السنة منها قولا أو فعلا أو إقرارا كان حجة ، وإلا فلا دليل على حجيته قطعا لما سبق ان قلنا في التمهيد الثاني من أن كل حجة لا تنهي إلى القطع فهي ليست بحجة ، وان الشك في حجية شيء مّا كاف للقطع بعدمها.