وهناك أدلة نظرية تعود إلى ضرورة دخول الإمام في جملة المجمعين ـ قولا أو إقرارا ـ بحكم كونه رئيسهم ، فهم لا يخالفونه عادة أو لا يقرهم على المخالفة.
وهي أدلة لا تتجاوز الحدس ، وقد نوقشت في كتب الشيعة الإمامية جميعا وبخاصة المتأخرين منهم (١) ، فلا جدوى بإطالة الحديث فيها.
بقيت دعوة من يدعي ان الإجماع مما يحصل بسببه القطع بوجود دليل لو اطلعنا عليه لوافقناه المجمعين على الحكم ، وهي دعوى لا تنفع الا من يحصل لديه القطع ، ولا يبعد ان يحصل غالبا مثل ذلك في كثير من الأحكام الإجماعية ، وبخاصة تلك التي لا تتصل بمنابع العاطفة أو العقيدة.
ومن هنا يتضح ان هذه الأدلة مختلفة في ألسنتها ، فبعضها يعطي الإجماع قيمة كبرى تجعله في مقابل الكتاب والسنة وحكم العقل ، أي تجعله دليلا مستقلا في مقابل بقية الأدلة ، كالأدلة السمعية التي عرضناها مفصلا وبخاصة حديث : «ما اجتمعت أمتي على ضلال» (٢) لإعطائها فضيلة العصمة وعدم الخطأ ، فكان لاجتماعها على الحكم خصوصية في بلوغ الواقع ولو من غير الطرق المعروفة ، كالكتاب والسنة.
وبعضها تعتبره كاشفا عن رأي المعصوم ، أو عن دليل معتبر من الكتاب والسنة ، أو القياس على اختلاف في المباني ، ومثل هذه الأدلة لا تعتبر الإجماع دليلا مستقلا ، فعده في مقابلها في غير موضعه.
وعلى المبنى الأول ان الإجماع متى قام أخذ به ، ولا يعارضه دليل سمعي له ظاهر على الخلاف ، ويستحيل ان يعارض القطعي سندا ودلالة منها ـ أي الأدلة ـ لأن الشارع لا يتناقض على نفسه ، وعلى المبنى الثاني متى عرف المستند من
__________________
(١) راجع الدراسات : ص ٨٨ وما بعدها ، وأصول الفقه للشيخ المظفر : ٣ ـ ٩٢ وما بعدها.
(٢) شرح السنّة للبغوي : ص ٨٦ وفيه : «لا تجتمع أمتي على ضلالة».