وذهب آخرون إلى أنه «لا حكم للعقل فيه بإحالة ولا إيجاب ، ولكنه في مظنّة الجواز ، ثم اختلفوا في وقوعه فأنكر أهل الظاهر وقوعه بل ادعوا حظر الشرع له» (١).
ولكن بعض الشافعية أوجبوا التعبد به شرعا ، وإن لم يوجبوه من وجهة عقلية (٢).
والّذي عليه أئمة المذاهب السنية وغيرهم من أعلام السنة (٣) ، هو الجواز العقلي ووقوع التعبد الشرعي به كما هو فحوى أدلتهم التي سنعرضها ، وإن كان في استدلال بعضهم ما يوجبه عقلا لو تمت أدلته العقلية.
ومن هذا العرض الموجز ، تدركون مدى اختلاف العلماء في نسبة بعض الآراء إلى أصحابها ، فالمقدسي يعتبر أهل الظاهر من محيلي القياس عقلا ، بينما يعتبرهم الغزالي من مجوزيه عقلا ومانعيه شرعا.
وربما كان سرّ اختلاف النسبة ، هو وقوف كل منهما على ما نسب إليهم من أدلة يشعر بعضها بالإحالة العقلية وبعضها بالحظر الشرعي ، فاستند إلى ما وقف عليه ، وهذه الأدلة ـ مجتمعة ـ معروضة في كتاب ابن حزم (ملخص إبطال القياس والرّأي والاستحسان والتقليد والتعليل) ومقدمة كتابه (المحلّى).
والشيء الّذي لم أجده من هذه النسب ـ في حدود تتبعي ـ هو نسبة الإحالة العقلية ـ بقول مطلق ـ إلى الشيعة ، وربما وجدوه في بعض كتب الأصول الشيعية كرأي لصاحب الكتاب ، فاعتبروه رأي مذهب بأجمعه.
ومن الأخطاء التي تكررت على ألسنة كثير من الباحثين هو نسبة رأي إلى مجموع الشيعة لمجرد عثورهم على ذهاب مجتهد من مجتهديهم إليه ، ناسين أن
__________________
(١) المستصفى : ٢ ـ ٥٦.
(٢) روضة الناظر : ص ١٤٧.
(٣) الأحكام للآمدي : ٣ ـ ٦٤.