وهذا الدليل من أمتن الأدلة نسبيا وأقربها إلى الفن لو تمت جميع مقدماته.
ولكن الإشكال في تمامية بعض هذه المقدمات وبخاصة ما يتصل منها بالمقدمة الثانية من دعوى انسداد باب العلم والعلمي ، فقد مرّ لدينا قيام الأدلة القطعية على حجية كثير من الأمارات ، بالإضافة إلى الأدلة الموجبة للقطع بالحكم الشرعي ، فباب العلم والعلمي اذن غير منسد لنلجأ إلى التعويض بمطلق الظنون ، وإذا انهارت واحدة من المقدمات فقد انهار الدليل على نفسه من الأساس وانحل العلم الإجمالي بما قام عليه العلم والعلمي وأمكن الرجوع في الأطراف المشكوكة إلى الأصول ، وبهذا المقدار نكتفي عن مناقشة بقية المقدمات.
واعتقادي شخصيا أنه ليس بين المسلمين اليوم من يذهب إلى انسداد باب العلم والعلمي عليه ، وان كان فيهم من يسد على نفسه أبواب الاجتهاد.
على ان هذا الدليل لا يلزم نفاة القياس ابتداء ، لأن حكم العقل لو تمت جميع المقدمات ـ لا يكون متناولا للظنون القياسية ـ وعلى الأخص بعد افتراض قيام الأدلة القطعية على عدم جواز العمل به لديهم ، أمثال روايات أهل البيت عليهمالسلام الرادعة عنه وهي متواترة.
إذ مع قيام الردع القطعي عنه كيف يمكن للعقل ان يعتبره حجة يمكن الركون إليها في مقام الاحتجاج به على المولى عند المخالفة مع إصرار المولى على عدم اعتباره حجة بأدلة الردع.
وما يقال من ان حكم العقل لا يقبل التخصيص صحيح جدا ، إلا أنه أجنبي عن موردنا هذا ، لأن خروج القياس الظني عن حكم العقل هنا ليس من قبيل التخصيص ، وانما هو من قبيل التخصص ، إذ من الواضح ان هذا النوع من الأحكام العقلية مأخوذ في موضوعه عدم قيام الحجة على المنع عنه ، أي عدم انفتاح باب العلم أو العلمي في جميع المسائل ، ومع انفتاحه في مسألة ما ، فلا حكم