التسامح في أدلة السنن ، أو قاعدة لا ضرر ولا حرج ، بداهة ان المكلف عاجز عن تطبيق هذه القواعد على مواردها» (١).
لأن عجز العامي عن معرفة هذه القواعد بنفسه لا يرفع عنه مسئولية فهمها والاستعانة بمن يوضحها له لتعلقها بصميم عمله ، وليس من وظيفة المجتهد ان يعدد جميع مصاديق هذه القواعد ليمهد للعامي جهة الانتفاع بها فيما لو ابتلي ببعضها ، وإلا لضاق به نطاق الزمان عن استيعابها جميعا ، على أنا نشك ان العامي ـ وبخاصة من قارب درجة الاجتهاد ولم يجتهد بعد ـ عاجز عن تطبيقها متى حددت له جهتها الفقهية وأبرزت له معالمها ، وترك له أمر التماس موضوعاتها وتطبيقها على نفسه.
ولعل أهم ما يمكن أن تؤخذ به التفرقة الأولى ـ وهي العمدة في الفروق ـ ما شوهد من إنتاج بعضها للنتائج الفقهية والأصولية معا ، مما يبعث على الحيرة في التماس مقياس موحد للتفرقة بينهما ، فقد لوحظ مثلا على الاستصحاب وأصل الطهارة انهما ينتجان أحيانا الحكم الكلي ، وأحيانا الأحكام الجزئية ، وبمقتضى ذلك لا يمكن عدهما من المسائل الأصولية ولا الفقهية بذلك المقياس ، وهذا ما حمل البعض على عدم الأخذ به واللجوء إلى التماس مقاييس أخرى.
ولكننا لا نجد في هذه المؤاخذة ما يوجب طرح هذا المقياس ، وليس هناك ما يمنع من اشتراك الموضوع الواحد بين علمين وأكثر إذا تعددت فيه الحيثيات بتعدد العلوم.
فالاستصحاب من حيث إنتاجه للحكم الكلي يكون موضوع مسألة أصولية : ومن حيث إنتاجه للحكم الجزئي يكون موضوع مسألة فقهية ، وتعدد الحيثية يعدد الموضوع حتما. وكذلك القول في أصل الطهارة وغيرها من الموضوعات
__________________
(١) مصابيح الأصول : ١ ـ ١٣.