ومع اليأس من العثور عليها يرجعون إلى الأصل ، وهكذا ...
وحكم العقل بلزوم الفحص يكون بمنزلة القرينة المتصلة المانعة من ظهور ما يأتي من الإطلاقات في أدلة الاستصحاب الدالة على جواز العمل به من دون فحص ، فهي مقيدة به ابتداء.
٣ ـ الاستدلال بالآيات الدالة على وجوب التعلم ، ولعلها واردة كلها لتأكيد حكم العقل بلزوم الفحص ، وليست أحكاما تأسيسية لوضوح أنه لا موضوعية للتعلم أكثر من الوصول به إلى أحكام المولى تحصيلا للحجة ، ومع عدم التعلم والفحص عن أحكام المولى يرى العقل ان الحجة لله إذ ذاك على العبد ، وقد ورد من أهل البيت عليهمالسلام في تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(١) من انه «يقال للعبد يوم القيامة هل علمت؟ فان قال : نعم ، قيل له : فهلا عملت؟ وان قال : لا ، فقيل : فهلا تعلمت حتى تعمل؟» (٢).
وعلى هذا فأدلة الاستصحاب لا تتم حجيتها إلا بعد اليأس عن العثور على الأدلة الكاشفة عن الحكم الواقعي.
وما يقال عن الاستصحاب يقال عن بقية الأصول إحرازية أو غير إحرازية ، نعم في الاستصحابات المثبتة للتكاليف لا يبعد القول بإمكان جريانها من دون فحص ، إلا ان الأخذ بها انما يكون من باب الاحتياط لا أخذا بدليله.
هذا كله إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية ، ومع إنكاره لا يبقى موضوع لهذا الكلام ، وما عداها ـ أعني الأحكام الكلية ـ لا يجب فيه الفحص.
وأدلة وجوب الفحص لا تشمله لكونها غير ناظرة إلى غير الفحص عن الأحكام الكلية كما هو واضح.
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٤٩.
(٢) تفسير الميزان : ٧ ـ ٣٩٣ نقلا عن أمالي الطوسي.