رأي الشارع بإلزامه به ـ أعني الاحتياط ـ إبعادا للمكلف عن الوقوع فيما يبغضه.
وقد سبق ان قلنا ان للشارع ان يجعل الاحتياط للمحافظة على بعض التكاليف التي يعلم مبغوضية فعلها من قبل المكلف على درجة لا يريد وقوعها في الخارج بأية كيفية كانت ، كما هو الشأن في الدماء والفروج والأموال على قول.
وفي مثل هذا الحال صححنا جعل الاحتياط الشرعي من قبله ، وقلنا ان العقاب إذ ذاك ـ على تقدير مخالفة الاحتياط وعدم مصادفة الواقع ـ انما هو على التجرّي أو ما يعود إليه ـ بناء على حرمته ـ لا على مخالفة التكليف لعدم مصادفته الواقع كما هو الفرض.
وعلى هذا ، فقاعدة «وجوب دفع الضرر المحتمل» قائمة هنا ، ومنها يكتشف البيان الشرعي ، فتكون واردة على قاعدة «قبح العقاب بلا بيان واصل» إذ لا تبقى لها موضوعا ليرد الحكم العقلي عليه.
٢ ـ احتمال الضرر الأخروي ـ أي العقاب ـ.
وهذا الاحتمال لا يستتبع جعلا شرعيا للاحتياط على وفقه ، لبداهة أن كل ما يتصل بشئون الإطاعة والعصيان مما هو في طول التكاليف لا تكون أوامره ـ لو وجدت ـ من قبيل الأوامر المولوية ، لاستحالة صدور هذا النوع من الأوامر عنه.
وقد سبق أن تحدثنا في مبحث «دليل العقل» (١) عن أن بعض الأحكام العقلية لا تستتبع أوامر شرعية لوجود موانع عقلية عن ذلك ، وضربنا المثل بأوامر الإطاعة.
وما قلناه هناك نقوله هنا ، لأن احتمال العقاب ـ بل القطع به ـ لا يستطيع أن يوجه الشارع نهيا عن الوقوع فيه فضلا عن جعل الاحتياط ، كأن يقول لك : لا تقع في العقاب للزوم التسلسل الواضح ، بداهة ان مخالفة هذا النهي إما ان توجب عقابا فهي مردوع عنها ، وهذا الردع إن أوجبت مخالفته العقاب فهو مردوع عنه ،
__________________
(١) راجع : ص ٢٦٣ وما بعدها من هذا الكتاب.