الآخر في الاجتهاد الاستصلاحي» (١) لوضوح ان الطرق التي اعتبرها العلماء كاشفة واعتمدوها في مجالات الاستنباط بلغ بها بعضهم تسعة عشر بابا (٢) ، وأكثرها لا ترجع لهذه الطرائق الثلاث.
٢ ـ ان القياس ـ كما سبق بيانه ـ ليس في جميع أقسامه قسيما للاجتهاد البياني بل في بعضها هو قسم منه كالقياس المنصوص العلة ، والّذي يستفاد من عموم أو إطلاق علته عموم الحكم لجميع ما تتعلق به ، والاستصلاح بناء على تعريفه له ـ أعني الدواليبي ـ داخل هو الآخر في الاجتهاد البياني لاستفادته من الأدلة العامة ، أمثال لا ضرر ، وجميع الموارد التي يدعي إعمال الاستصلاح فيها ، إنما هي من مصاديق هذا الحكم الفرعي الشرعي الكلي المستفاد من حديث «لا ضرر» أو قاعدة العدل ، لا إنه في مقابلها ، وقد مضى منا القول في «مبحث الاستصلاح» بأن التماس المصاديق لأحكام شرعية كلية وتطبيق كلياتها عليها لا يخرج هذه المصاديق بعد التطبيق عن كونها من السنة ، وكل أحكام السنة كلية إلا ما ندر منها.
٣ ـ تفرقته بين طريقة الاجتهاد البياني والطريقتين الأخريين ، باعتباره الأولى بيانا للأحكام الشرعية ، والثانية والثالثة (وضعا) لها ، مع ان لازم ذلك اعتبار المجتهد مشرعا ، وهو خروج على إجماع المسلمين بالإضافة إلى مناقضته لنفسه حين اعتبرها جميعا من الكواشف عن الأحكام الشرعية.
نعم ، هذا التعبير لا يلتئم إلا على مبنى من مباني (المصوبة) ، وهو المبنى الّذي ينكر جعل الأحكام الواقعية في حقوق الجاهلين ويعتبرها تابعة لظنون المجتهدين ، إن صح نسبة القول بوضع الأحكام من قبل المجتهدين إليهم ، ولا أظن ان الدكتور
__________________
(١) المدخل إلى علم أصول الفقه : ص ٣٨٩.
(٢) رسالة الطوفي : ص ٩٠.