العالم لا غير. ولكنه يجيز لغير القادر ذلك ، فالطبيب الّذي يصاب ببعض العوارض ويخشى على نفسه من فوات الفرصة فيما لو أراد ان يعمل ملكته لفقده بعض أدوات عمله ، يرجع عادة إلى استشارة طبيب آخر يثق بمعارفه. وهكذا بالنسبة إلى المتدرج في إعمال ملكته ولنفرضه جديد عهد بالملكة.
فلو قدر لمثل هذا ان لا يصدر إلا عن هذه الملكة ، لتعذر عليه استيعاب جميع تكاليفه ، وبخاصة إذا كان هو لا يرى جواز الاحتياط في بعض المسائل ، أو كانت مما يتعذر فيها الاحتياط.
فالذي يقتضيه بناء العقلاء على هذا الرجوع إلى الغير لتحصيل المؤمّن فيما يقدم عليه أو يتركه من إعمال.
وممن اختار هذا التفصيل المحقق القمي قدس سرّه صاحب «القوانين المحكمة» حيث قال ـ بعد ان عرض رأي المانعين مطلقا ـ : «ودليل المانع وجوب العمل بظنه إذا كان له طريق إليه إجماعا ، خرج العامي بالدليل وبقي الباقي ، (وفيه) منع الإجماع فيما نحن فيه ، ومنع التمكن من الظن مع ضيق الوقت ، فظهر ان الأقوى الجواز مع التضييق ، واختصاص الحكم به» (١).
والظاهر من الجواز هنا الجواز بالمعنى العام في مقابل المنع لا الإباحة ، لتعين الرجوع إلى الغير في هذا الفرض.
وإذا صح هذا اتضحت أوجه المناقشة في جميع تلكم الأقوال ، إذ لا دليل عليها ، وغاية ما يدل عليه دليل الجواز هو هذا المقدار وليس في الأدلة كل هذه التفصيلات التي ذكروها ، فلا حاجة إلى الإطالة بردها.
__________________
(١) القوانين المحكمة : ٢ ـ ١٦٣.