ويرد على هذا الاستدلال :
١ ـ ان امتناع التسلسل إنما يتم إذا تمت الملازمة بينهما وكانت واقعة في سلسلة العلل والمعلولات ، لكنها هنا غير تامة لبداهة ان فعلية نقض الاجتهاد الأول لا تستلزم فعلية نقض النقض لجواز أن يثبت عليه المجتهد ـ أي النقض ـ إلى الأخير ، ولو استلزمتها فهي من قبيل الملازمات الاتفاقية ـ إن صح تسميتها ملازمة ـ لوضوح ان نقض الاجتهاد الأول لا يكون علة لنقض النقض ولا معلولا له ، ومع عدم العلية والمعلولية بينهما لا يلزم التسلسل الباطل.
وما يقال عن فعلية النقض ، يقال عن إمكانه لو أراد الملازمة بين الإمكانين ، لا بين النقضين الفعليين ، فيكون معنى قوله : «لو نقض الاجتهاد بالاجتهاد لنقض النقض» انه لو جاز نقض الاجتهاد لجاز نقض النقض ، إذ التلازم بين الجوازين بالبداهة ليس منشؤه العلية والمعلولية بينهما ، فلا يكون باطلا.
٢ ـ ورود هذا الإشكال عليه نقضا لالتزامه بجواز النقض في مقام الإفتاء ، يقول : «اما إذا نكح المقلد بفتوى مفت ، وأمسك زوجته بعد دور الطلاق وقد نجز الطلاق بعد الدور ، ثم تغيّر اجتهاد المفتي ، فهل على المقلد تسريح زوجته؟ وهذا ربما يتردد فيه ، والصحيح أنه يجب تسريحها كما لو تغير اجتهاد مقلده عن القبلة في أثناء الصلاة ، فإنه يتحول إلى الجهة الأخرى ، كما لو تغير اجتهاده في نفسه» (١) ، مع أن لزوم التسلسل ـ على مبناه ـ فيه واضح لجواز أن يقال : لو نقض الاجتهاد بالاجتهاد لنقض النقض أيضا ولتسلسل ... إلخ.
وقد وقع بالمفارقة نفسها بعض المتأخرين ، كالأستاذ الخضري (٢).
__________________
(١) المستصفى : ٢ ـ ١٢٠.
(٢) أصول الفقه : ص ٣٦٨.