وقد حاول بعض الأعلام الجمع بينها لاعتقاده رجوع بعضها إلى الآخر واعتبار المراد منها جميعا هو خصوص العمل. ولكن هذا الجمع غير ظاهر ، ويأباه ما ذكروه لاختلاف المفهومين من ثمرات فقهية. ومنها ما لو التزم بقول مجتهد ولم يعمل بعد ثم مات المجتهد ، فهو على أحد التعريفين مقلد لالتزامه بالعمل على قوله ، وعلى الآخر ليس بمقلد لعدم عمله بما التزم به. فلو كنا ممن يقول بلزوم البقاء على تقليد الميت ، لكان علينا ان نلزم هذا المكلف بالبقاء على تقليد صاحبه ـ بناء على المفهوم الأول ـ لصدق عنوان التقليد على التزامه ونلزمه بتقليد الحي ـ بناء على المفهوم الثاني ـ لعدم صدق التقليد على التزامه ، وذلك لعدم اقترانه بالعمل على وفق آرائه. ولكن النزاع إنما يكون له ثمرة لو كان للفظ التقليد موضع من لسان الأدلة ليقال بأن المراد منه أي شيء هو.
ولكن هذا اللفظ لم يرد ـ فيما يقال ـ إلا في رواية ضعيفة لا تصلح لأن تكون مستندا لحكم شرعي (١).
والّذي يستفاد من الأدلة هو لزوم التماس المنجز أو المعذر في كل ما يصدر عنه المكلف من فعل أو ترك ، فإن حصل المنجز أو المعذر بجهده أجزأه ، وإلا لزم عليه الرجوع إلى الغير إذا كان عالما والاعتماد على قوله.
وربما ناسب هذا المعنى تحديد اللغويين له ، وكأن المنشأ في تسمية عمل العامي تقليدا هو ما ينطوي عليه من جعل أعماله قلادة في عنق من يرجع إليه وتحميله مسئوليتها ، وهذا المعنى أجنبي عن الالتزام.
ومع غض النّظر عن هذه الجهة فالمتبادر من لفظ التقليد عرفا هو المحاكاة للغير في عمله أو تركه لا العمل وحده ولا الالتزام. والأمر هين ما دام لم يرد لفظ
__________________
(١) وهي الرواية المأثورة عن تفسير العسكري : (فللعوام ان يقلدوه) والتفسير المذكور مرمي بالضعف لجهالة روايته عن الإمام عليهالسلام. (المؤلف).