غيرهم ، ولهذا قال عليهالسلام : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ) (١) وقال عليهالسلام : (أقضاكم عليّ وأفرضكم زيد ، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) (٢).
وكان فيهم العوام ، ومن فرضه الاتباع للمجتهدين والأخذ بقولهم لا غير ، ومع ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام الاجتهاد في أعيان المجتهدين ، ولا أنكر أحد منهم اتباع المفضول والاستفتاء له مع وجود الأفضل ، ولو كان ذلك غير جائز لما جاز من الصحابة التطابق على عدم إنكاره والمنع منه ، ويتأيد ذلك بقوله عليهالسلام : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (٣) ولو لا إجماع الصحابة على ذلك لكان القول بمذهب الخصوم أولى» (٤).
وهذا الاستدلال لا يتم صغرى وكبرى. أما من حيث الصغرى ، فلأن إثبات الإجماع والتطابق لا يتم بمجرد عدم النقل لما هو معروف بالبداهة من ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، بل يحتاج إلى نصّ على عدم الخلاف من معاصريهم ، أو الاطلاع على واقعهم التأريخي تفصيلا ليصح نسبة الاتفاق إليهم ، وهو ما لم يدون أكثره ولا يمكن بلوغه بحال.
وأما من حيث الكبرى فلأن هذا الإجماع ـ لو تم وتمت حجيته ـ فهو لا يعدو كونه من الأدلة اللبية التي لا إطلاق فيها ليشمل صورة المختلفين في الحكم ، والقدر المتيقن هو صورة الاتفاق فيه أو عدم العلم بالاختلاف على الأقل.
على أنا نشك ان العوام في صدر الإسلام كانوا لا يفرقون بين علي من جهة ، وبين أبي سفيان وبسر بن أرطاة ومروان بن الحكم من جهة أخرى ، فإذا اختلف
__________________
(١) مسند أحمد : ٥ ـ ١٠٩ ، ح ١٦٦٩٢ و ١٦٦٩٢ و ١٦٦٩٤ و ١٦٦٩٥.
(٢) فتح الباري : ١٠ ـ ٥٩٠ وفيه «أقضاكم علي».
(٣) جامع الأصول : ٩ ـ ٤١٠ ، كتاب الفضائل ، ح ٦٣٥٩.
(٤) أحكام الأحكام : ٣ ـ ١٧٤.