قال ابن (١) الخطيب : (أَسْكِنُوهُنَ) وما بعده بيان لما شرط من التقوى في قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) كأنه قيل : كيف يعمل بالتقوى في جنس المعتدات؟ فقيل : «أسكنوهنّ».
قوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ). فيه وجهان :
أحدهما : أن «من» للتبعيض.
قال الزمخشري (٢) : «مبعضها محذوف معناه : أسكنوهن مكانا من حيث سكنتم ، أي : بعض مكان سكناكم ، كقوله تعالى : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [النور : ٣٠] أي : بعض أبصارهم».
قال قتادة : إن لم يكن إلا بيت واحد ، فأسكنها في بعض جوانبه (٣).
قال ابن الخطيب (٤) : وقال في الكشاف : «من» صلة ، والمعنى أسكنوهن من حيث سكنتم.
والثاني : أنها لابتداء الغاية. قاله الحوفي ، وأبو البقاء.
قال أبو البقاء (٥) : والمعنى تسبّبوا إلى إسكانهن من الوجه الذي تسكنون أنفسكم ودلّ عليه قوله (مِنْ وُجْدِكُمْ) ، والوجد : الغنى.
قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ). فيه وجهان :
أظهرهما : أنه بدل من قوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) بتكرار العامل ، وإليه ذهب أبو البقاء.
كأنه قيل : أسكنوهن من سعتكم.
والثاني : أنه عطف بيان لقوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ، وإليه ذهب الزمخشري ، فإنه قال بعد أن أعرب (مِنْ حَيْثُ) تبعيضية ، قال (٦) : «فإن قلت : فقوله «من وجدكم» قلت : هو عطف بيان لقوله (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ومفسّر له ، كأنه قيل : أسكنوهن مكانا من مسكنكم (٧) مما تطيقونه ، والوجد : الوسع والطاقة.
وناقشه أبو حيان (٨) بأنه لم يعهد في عطف البيان إعادة العامل ، إنما عهد هذا في البدل ، ولذلك أعربه أبو البقاء بدلا.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٣٣.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٥٨.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٦١) وعزاه إلى عبد بن حميد عن قتادة.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٣٣.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢٢٨.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٥٨.
(٧) في أ : وجدكم.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٨١.