والثاني : لها السكنى ، وهو قول عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبه قال مالك ، وسفيان الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، لما روى كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب أن الفريعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أخت أبي سعيد الخدري ـ أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف «القدوم» لحقهم فقتلوه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ، فقالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نعم» ، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر بي فدعيت له ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كيف قلت؟» قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، فقال : «امكثي حتّى يبلغ الكتاب أجله» ، قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، قالت : فلما كان عثمان أرسل إليّ فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فاتبعه وقضى به (١).
فمن قضى بهذا القول قال : إذنه لفريعة أولا بالرجوع إلى أهلها صار منسوخا بقوله : «امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله» ، ومن لم يوجب السّكنى قال : أمرها بالمكث آخرا استحبابا لا وجوبا.
قوله : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ).
قال مجاهد : في المسكن (٢).
وقال مقاتل : في النّفقة (٣). وهو قول أبي حنيفة.
وعن أبي الضحى : هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها ، ثم طلقها.
قوله : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ).
هذا في وجوب النّفقة والسّكنى للحامل المطلقة ثلاثا أو أقل حتى تضع حملها ، فأما الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقال علي ، وابن عمر وابن مسعود ، وشريح ، والنخعي ، والشعبي ، وحماد ، وابن أبي ليلى ، وسفيان ، وأصحابه : ينفق عليها من جميع المال حتى تضع.
__________________
(١) أخرجه مالك (٢ / ٥٩١) رقم (٨٧) وأبو داود (٢٣٠٠) والترمذي (١٢٠٤) والدارمي (٢ / ١٦٨) والنسائي (٦ / ٢٠٠) وابن حبان (١٣٣٢) وابن سعد (٨ / ٢٦٨) والشافعي (٢٤٢) وابن أبي شيبة (٥ / ١٨٥) وأحمد (٦ / ٣٧٠ ، ٤٢٠ ـ ٤٢١) والطيالسي (١٦٣٤ ـ منحة) والبيهقي (٧ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥) من حديث الفريعة بنت مالك.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٣٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٦١) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٣٤) والقرطبي (١٨ / ١١١).