وقال الضحاك : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أي : سبعا من الأرضين ، ولكنها مطبقة بعضها فوق بعض من غير فتوق بخلاف السماوات (١).
قال القرطبي (٢) : والأول أصحّ ؛ لأن الأخبار دالة عليه كما روى البخاري وغيره ، روى أبو مروان عن أبيه : أن كعبا حلف له بالله الذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن محمداصلىاللهعليهوسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : «اللهمّ ربّ السّموات السّبع وما أظللن ، وربّ الأرضين السّبع وما أقللن ، وربّ الشّياطين وما أضللن ، وربّ الرّياح وما أذررن ، إنّا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها ، ومن شرّ من فيها» (٣).
وروى مسلم عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين» (٤).
قال الماوردي (٥) : وعلى أنها سبع أرضين تختص دعوة أهل الإسلام بأهل الأرض العليا ولا يلزم فيمن غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز ، وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان :
أحدهما : أنهم يشاهدون من كل جانب من أرضهم ، ويستمدّون الضياء منها ، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة. والثاني : أنهم لا يشاهدون السماء ، وأن الله تعالى خلق لهم ضياء يشاهدونه ، وهذا قول من جعل الأرض كرة.
وحكى الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض يفرق بينها البحار ، وتظل جميعهم السماء ، فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل الأرض وصول إلى أرض أخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض ، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى ، احتمل أن يلزمهم دعوة الإسلام لإمكان الوصول إليهم لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه ، واحتمل ألا يلزمهم دعوة الإسلام ؛ لأنها لو لزمتهم لكان النصّ بها واردا ، ولكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مأمورا بها.
قال بعض العلماء : السماء في اللغة عبارة عما علاك ، ففلك القمر بالنسبة إلى السماء الثانية أرض ، وكذلك السماء الثانية بالنسبة إلى الثالثة أرض وكذلك البقية بالنسبة
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي (١٨ / ١١٤).
(٢) ينظر الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١١٥.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه البخاري ٥ / ١٢٣ ، كتاب المظالم ، باب : إثم من ظلم شيئا من الأرض (٢٤٥٢) وطرفه في ٣١٩٨ ، والبيهقي في السنن ٦ / ٩٩.
(٥) ينظر : النكت والعيون ٦ / ٣٦ ـ ٣٧.