وقال ابن عبّاس : من وهن (١).
وقوله : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) في موضع المصدر ؛ لأن معناه : رجعتين.
لأن الإنسان إذا نظر في الشّيء مرتين ترى عينه ما لم تنظره مرة أخرى ، فأخبر تعالى أنه وإن نظر إلى السماء مرّتين لا يرى فيها عيبا ، بل يتحيّر بالنظر إليها (٢).
وقال ابن الخطيب (٣) : «معناه أنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجدان الخلل ، والعيب ، بل يرجع إليك «خاسئا» أي : مبعدا صاغرا عن أن يرى شيئا من ذلك من قولك : خسأت الكلب إذا باعدته ، وطردته».
وخسأ الكلب بنفسه ، يتعدى ولا يتعدّى ، وانخسأ الكلب أيضا ، وخسأ بصره أيضا خسأ وخسوءا ، أي : ستر.
قال ابن عبّاس : الخاسىء الذي لم ير ما يهوى (٤).
وقال المبرد هاهنا : الخاسىء المبعد المصغر.
وقوله : (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي : قد بلغ الغاية في الإعياء ، فهو بمعنى «فاعل» من الحسور الذي هو الإعياء ، ويجوز أن يكون مفعولا من حسره بعد الشيء وهو معنى قول ابن عبّاس ؛ ومنه قول الشاعر : [البسيط]
٤٧٩٣ ـ من مدّ طرفا إلى ما فوق غايته |
|
إرتدّ خسآن منه الطّرف قد حسرا (٥) |
يقال : حسر بصره يحسر حسورا ، أي : كلّ وانقطع نظره من طول مدى ، وما أشبه ذلك ، فهو حسير ومحسور أيضا.
قال الشاعر : [الطويل]
٤٧٩٤ ـ نظرت إليها بالمحصّب من منى |
|
فعاد إليّ الطّرف وهو حسير (٦) |
وقيل هو النادم ؛ قال : [الرمل]
٤٧٩٥ ـ ما أنا اليوم على شيء خلا |
|
يا بنة القين تولّى بحسر (٧) |
قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٦٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وعزاه إلى الطبري.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٣٧.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٥٢.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٣٧).
(٥) ينظر القرطبي ١٨ / ١٣٧.
(٦) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٣٧.
(٧) البيت للمرار ينظر اللسان (حسر) والقرطبي ١٨ / ١٣٧.