هنا مؤول بالاسم عكس قوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا) [الحديد : ١٨] فإن الاسم هناك مؤول بالفعل وقد تقدم الاعتراض على ذلك.
وقول أبي البقاء (١) : معطوف على اسم الفاعل حملا على المعنى ، أي : يصففن ويقبضن ، أي : «صافّات وقابضات» لا حاجة إلى تقديره : يصففن ويقبضن ؛ لأن الموضع للاسم فلا نؤوله بالفعل.
قال أبو حيان (٢) : «وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه ، ومثله قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ) [العاديات : ٣ ـ ٤] ، ومثل هذا العطف فصيح وكذا عكسه إلّا عند السّهيلي ؛ فإنه قبيح ؛ نحو قوله : [الرجز]
٤٨٠٢ ـ بات يغشّيها بعضب باتر |
|
يقصد في أسوقها وجائر (٣) |
أي : قاصد في أسواقها وجائر».
وكذا قال القرطبيّ (٤) : هو معطوف على «صافّات» عطف المضارع على اسم الفاعل كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر : «بات يغشّيها» البيت.
قال شهاب الدين (٥) : هو مثله في عطف الفعل على اسم الفاعل إلا أن الاسم فيه مؤول بالفعل عكس هذه الآية ، ومفعول «يقبضن» محذوف ، أي : ويقبضن أجنحتهن.
قاله أبو البقاء (٦) ، ولم يقدر ل «صافّات» مفعولا كأنه زعم أن الاصطفاف في أنفسها ، والظاهر أن المعنى : صافات أجنحتها وقابضات ، فالصف والقبض منها لأجنحتها.
ولذلك قال الزمخشري (٧) : «صافّات» باسطات أجنحتهن ، ثم قال : فإن قلت : لم قال : ويقبضن ، ولم يقل : «قابضات»؟.
قلت : لأن الطيران هو صف الأجنحة ؛ لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها ، وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك ، فجيء بما هو طارىء غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ، يكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح.
قوله (ما يُمْسِكُهُنَّ). يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، وأن تكون حالا من
__________________
(١) ينظر الإملاء ٢ / ٢٦٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٩٧.
(٣) ينظر الخزانة ٢ / ٣٤٥ والعيني ٤ / ١٧٤ ، والصبان ٣ / ٢٠ ، والقرطبي ١٨ / ١٤٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٧٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٣٤٦.
(٤) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤٢.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٤٦.
(٦) ينظر : الإملاء ٢ / ٢٦٦.
(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٨١.