قوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى). «مكبّا» حال من فاعل «يمشي».
قال الواحديّ (١) : «أكب» ، مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب.
قال الزمخشريّ (٢) : هو من الغرائب والشواذ ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ، وما هو كذلك ولا شيء من بناء «أفعل» مطاوع ، بل قولك : أكب ، من باب «أنفض ، وألأم» ومعناه : دخل في الكب ، وصار ذا كب وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع.
ومطاوع «كب ، وقشع» انكب وانقشع.
قال أبو حيان (٣) : «ومكبا» حال من «أكب» وهو لا يتعدى ، و «كب» متعد ، قال تعالى (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) [النمل : ٩٠] والهمزة فيه للدخول في الشيء ، أو للصيرورة ، ومطاوع كب انكب ، تقول : كببته فانكب. قال الزمخشريّ (٤) : «ولا شيء من بناء «أفعل» مطاوعا ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه» انتهى.
وهذا الرجل يتبجح بكتاب سيبويه ، وكم من نص في كتاب سيبويه عمي بصره وبصيرته عنه حتى إن الإمام أبا الحجاج يوسف بن معزوز صنف كتابا يذكر فيه ما غلط الزمخشري فيه ، وما جهله من كتاب سيبويه. انتهى.
قال شهاب الدين (٥) : انظر إلى هذا الرجل كيف أخذ كلام الزمخشري الذي أسلفته عنه طرز به عبارته حرفا بحرف ثم أخذ ينحي عليه بإساءة الأدب جزاء ما لقنه تلك الكلمات الرائقة ، وجعل يقول : إن مطاوع «كبّ» «انكب» لا «أكب» وأن الهمزة للصيرورة ، أو للدخول في الشيء ، وبالله لو بقي دهره غير ملقن إياها لما قالها أبدا ، ثم أخذ يذكر عن إنسان مع أبي القاسم كالسّها مع القمر أنه غلطه في نصوص من كتاب سيبويه ، والله أعلم بصحتها : [الوافر]
٤٨٠٤ ـ وكم من عائب قولا صحيحا |
|
وآفته من الفهم السّقيم (٦) |
وعلى تقدير التسليم ، فالفاضل من عدت سقطاته.
قال القرطبيّ (٧) : يقال : أكب الرجل على وجهه فيما لا يتعدى بالألف ، فإذا تعدى قيل: كبه الله على وجهه بغير ألف ، وقوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي) هو المعادل ل (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا).
__________________
(١) ينظر البحر المحيط ٨ / ٢٩٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٨٢.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٩٧.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٤٧.
(٦) البيت للمتنبي ينظر ديوانه ٢ / ٣٥٧ ، والدر المصون ٦ / ٣٤٧.
(٧) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٤٣.