معرفة الله تعالى ؛ لأن ذلك تقليدا ، وهو غير لائق بالرسول صلىاللهعليهوسلم وليس هو الشرائع ؛ لأن شريعته كشرائعهم ، فتعين أن يكون المراد منه أمره صلىاللهعليهوسلم بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء فيما اختص به من الخلق الكريم ، وكان كل واحد منهم مختصا بنوع واحد ، فلما أمر محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن يقتدي بالكل ، فكأنه أمر بمجموع ما كان متفرقا فيهم ، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء قبله ـ لا جرم ـ وصف الله خلقه بأنه عظيم ، وكلمة «على» للاستعلاء فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الأخلاق ، ومستول عليها ، وأنه بالنسبة إلى هذه الأخلاق الحميدة كالمولى بالنسبة إلى العبد ، وكالأمير بالنسبة إلى المأمور.
وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة في مدح الخلق الحسن ، وذم الخلق السّيّىء.
قوله : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ).
قال ابن عباس : معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة.
وقيل : فسترى وترون يوم القيامة حتى يتبين الحق والباطل.
وقيل : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) في الدنيا كيف تكون عاقبة أمرك وأمرهم فإنك تصير معظما في القلوب ، ويصيرون ذليلين ملعونين ويستولى عليهم بالقتل والنهب.
قال مقاتل بن حيان : هذا وعيد العذاب ببدر.
قوله (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الباء مزيدة في المبتدأ ، والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت كزيادتها في نحو «بحسبك زيد» ، وإلى هذا ذهب قتادة وأبو عبيدة معمر بن المثنى.
إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في «حسبك» فقط.
الثاني : أن الباء بمعنى «في» فهي ظرفية ، كقولك : «زيد بالبصرة» أي : فيها ، والمعنى : في أي فرقة ، وطائفة منكم المفتون : أي المجنون في فرقة الإسلام أم في فرقة الكفار؟ وإليه ذهب مجاهد والفراء (١).
ويؤيده قراءة (٢) ابن أبي عبلة : «في أيكم».
والثالث : أنه على حذف مضاف ، أي «بأيكم فتن المفتون» فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإليه ذهب الأخفش (٣). وتكون الباء سببية.
والرابع : أن المفتون مصدر جاء على «مفعول» ك «المعقول» و «الميسور» ، والتقدير : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ).
فعلى القول الأول يكون الكلام تاما عند قوله : «ويبصرون» ، ويبتدأ بقوله (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ).
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ٣ / ١٧٣.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٠٣ ، والدر المصون ٦ / ٣٥١.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٠٣.