ضللنا الطريق إلى جنتنا ، ثم لما تأملوا وعرفوا أنها هي ، قالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) حرمنا خيرها بشؤم عزمنا على البخل ومنعنا الفقراء ، قاله قتادة.
وقيل : (إِنَّا لَضَالُّونَ) عن الصّواب في غدونا على نية منع المساكين ، فلذلك عوقبنا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي : حرمنا جنتنا بما صنعنا.
روى ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إيّاكم والمعاصي إنّ العبد ليذنب الذّنب فيحرم به رزقا كان هيّىء له» ثم تلا : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ)(١) الآيتين.
قوله : (قالَ أَوْسَطُهُمْ) ، يعني أعدلهم ، وأفضلهم وأعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ : لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي : هلا تستثنون ، وكان استثناؤهم تسبيحا. قاله مجاهد وغيره ، وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان يأمرهم بالاستثناء ، فلم يطيعوه.
قال أبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله ، فقال لهم : «هلا تسبحون الله» ، أي تقولون : سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم.
وقال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله ـ عزوجل ـ ، فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء الله ؛ لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته.
وقال ابن الخطيب (٢) : التسبيح عبارة عن تنزيهه عن كل سوء فلو دخل شيء في الوجود على خلاف إرادة الله تعالى ، لوجب عود النقص إلى قدرة الله تعالى ، فقولك : (إِنْ شاءَ اللهُ) مزيل هذا النقص ، فكان ذلك تسبيحا.
وقيل : المعنى : هلّا تستغفرونه من فعلكم ، وتتوبون إليه من خبث نيتكم.
قيل : إنّ القوم لمّا عزموا على منع الزكاة واغتروا بالمال والقوة ، قال لهم أوسطهم : توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذاب ، فلما رأوا العذاب ذكرهم أوسطهم كلامه الأول ، وقال : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) فحينئذ اشتغلوا بالتوبة وقالوا : (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) قال ابن عباس في قولهم سبحان ربنا أي نستغفر ربنا من ذنوبنا لأنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا المساكين.
وقال الحسن : هذا التسبيح هو الصّلاة كأنهم كانوا يتكاسلون في الصلاة ، وإلا لكانت ناهية لهم [عن الفحشاء والمنكر ، ولكانت داعية لهم] إلى أن يواظبوا على ذكر الله ، وعلى قول إن شاء الله.
قوله (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ). أي : يلوم بعضهم بعضا ، يقول هذا لهذا : أنت أشرت علينا بهذا الرأي ، ويقول ذلك لهذا : أنت خوفتنا بالفقر ، ويقول الثالث لغيره: أنت
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٩٥) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٧٩.