قال ابن الخطيب (١) : واعلم أن وجه التذكير في هذا أن نجاة قوم من الغرق في السّفينة ، وتغريق من سواهم يدل على قدرة مدبر العالم ، ونفاذ مشيئته ، ونهاية حكمته ، ورحمته ، وشدة قهره.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال عند نزول هذه الآية : «سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليّ» ، قال علي رضي الله عنه : «فما نسيت شيئا بعد ذلك» (٢).
فإن قيل : لم قال : (أُذُنٌ واعِيَةٌ) على التوحيد والتنكير؟.
فالجواب : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم ، والدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعيت وعقلت عن الله ، فهي السّواد الأعظم عند الله ، وأن سواها لا يلتفت إليهم ، وإن امتلأ العالم منهم.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧].
قال قتادة : الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى ، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عزوجل (٣).
قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ).
لما حكى هذه القصص الثلاثة ونبّه بها على ثبوت القدرة والحكمة للصانع ، فحينئذ ثبت بثبوت القدرة إمكان القيامة ، ويثبت القدرة إمكان وقوع الحشر ، ولما ثبت ذلك شرع سبحانه في تفاصيل أحوال القيامة ، فذكر أولا مقدماتها ، فقال : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ).
قوله : «واحدة» تأكيد ، و «نفخة» مصدر قام مقام الفاعل.
وقال ابن عطية : «لما نعت صحّ رفعه» انتهى.
ولو لم ينعت لصحّ رفعه ؛ لأنه مصدر مختص لدلالته على الوحدة ، والممنوع عند البصريين إنما هو إقامة المبهم ، نحو : «ضرب».
والعامة على الرفع فيهما.
وقرأ أبو السّمال : بنصبهما (٤) ، كأنه أقام الجارّ مقام الفاعل ، فترك المصدر على
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣ / ٩٤.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢١٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٧) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق شهر بن حوشب عن مكحول به.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢١٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٣) وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٥٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٣١٧ ، والدر المصون ٦ / ٣٦٣.