فالجواب من وجهين (١) :
الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ، ثم يموتون.
والثاني : المراد الذين استثناهم في قوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ).
فإن قيل : إنّ الناس إذا رأوا جهنّم هالتهم ، فندّوا كما تندّ الإبل ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلّا رأوا ملائكة ، فيرجعون من حيث جاءوا.
وقيل : (عَلى أَرْجائِها) ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النّار من السّوق إليها ، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة ، وهذا كلّه راجع إلى قول ابن جبير ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].
قوله : (عَلى أَرْجائِها) ، خبر المبتدأ ، والضمير للسماء ، وقيل : للأرض ، على ما تقدم.
قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما الفرق بين قوله : (وَالْمَلَكُ) وبين أن يقال : «والملائكة»؟
قلت : الملك أعمّ من الملائكة ، ألا ترى إلى قولك : «ما من ملك إلّا وهو ساجد» أعم من قولك : «ما من ملائكة» انتهى.
قال أبو حيّان (٢) : ولا يظهر أنّ الملك أعمّ من الملائكة ، لأن المفرد المحلّى بالألف واللام ، قصاراه أن يكون مرادا به الجمع المحلّى ، ولذلك صح الاستثناء منه ، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلّى بهما ، وأما دعواه أنه أعم منه ، بقوله : «ألا ترى» إلى آخره ، فليس دليلا على دعواه ؛ لأن (مِنْ مَلَكٍ) نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها «من» المخلصة للاستغراق ، فشملت كل ملك فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه ، فانتفى كل فرد فرد ، بخلاف «من ملائكة» ، فإن «من» دخلت على جمع منكّر ، فعمّ في كل جمع جمع من الملائكة ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كلّ فرد فرد من الملائكة ، لو قلت : «ما في الدار من رجال» جاز أن يكون فيها واحد ، لأن النفي إنما انسحب على جمع ، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد ، والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه «من» وإنّما جيء به مفردا ؛ لأنه أخفّ ، ولأن قوله : (عَلى أَرْجائِها) يدلّ على الجمع ؛ لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون (عَلى أَرْجائِها) في وقت واحد بل أوقات ، والمراد ـ والله أعلم ـ أن الملائكة على أرجائها إلّا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات.
وقال شهاب الدين : إنّ الزمخشريّ منزعه في هذا ما تقدم عنه في أواخر سورة
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٩٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٢٣.