وإن قيل : «لا» نافية للقسم ، فجوابه كجواب القسم.
«إنه» يعني القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني جبريل. قاله الحسن والكلبي ومقاتل (١) ، لقوله : (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ) [التكوير : ١٩ ، ٢٠].
وقال الكلبي أيضا والقتبي : الرسول هنا محمد صلىاللهعليهوسلم لقوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) ، وليس القرآن من قول الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما هو من قول الله ـ عزوجل ـ ونسب القول إلى الرسول ، لأنه تاليه ومبلغه والعامل به ، كقولنا : هذا قول مالك (٢).
فإن قيل : كيف يكون كلاما لله تعالى ، ولجبريل ، ولمحمد عليهما الصلاة والسلام؟ فالجواب : أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ، فالله سبحانه أظهره في اللوح المحفوظ ، وجبريل بلغه لمحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ ومحمد صلىاللهعليهوسلم بلغه للأمة.
قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ) هو جواب القسم ، وقوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ) معطوف على الجواب ، فهو جواب. أقسم على شيئين : أحدهما : مثبت ، والآخر : منفي ، وهو من البلاغة الرائعة.
قوله : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ، (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ).
انتصب «قليلا» في الموضعين نعتا لمصدر ، أو زمان محذوف ، أي : إيمانا أو زمانا قليلا ، والنّاصب : «يؤمنون» و «تذكرون» و «ما» مزيدة للتوكيد.
وقال ابن عطية : ونصب «قليلا» بفعل مضمر يدل عليه : «تؤمنون» ، و «ما» يحتمل أن تكون نافية ، فينتفي إيمانهم ألبتة ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، وتتصف بالقلة ، فهو الإيمان اللغوي ؛ لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا ، إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي يأمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو حقّ وصواب.
قال أبو حيّان (٣) : أما قوله : «قليلا نصب بفعل» إلى آخره ، فلا يصح ؛ لأن ذلك الفعل الدال عليه «تؤمنون» إما أن تكون «ما» نافية ـ كما ذهب إليه ـ أو مصدرية ، فإن كانت نافية فذلك الفعل المضمر الدال عليه «تؤمنون» المنفي ب «ما» يكون منفيا ، فيكون التقدير : ما تؤمنون قليلا ما تؤمنون ، والفعل المنفي ب «ما» لا يجوز حذفه ، ولا حذف ما ، لا يجوز «زيدا ما أضربه» على تقدير : «ما أضرب زيدا ما أضربه» ، وإن كانت مصدرية كانت إما في موضع رفع ب «قليلا» على الفاعلية ، أي : قليلا إيمانكم ، ويبقى «قليلا» لا يتقدمه ما يعتمد عليه حتى يعمل ولا ناصب له ، وإما في موضع رفع على الابتداء ؛ فيكون مبتدأ لا خبر له ، لأن ما قبله منصوب.
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٢٨.