الثاني : أنّها من «سال يسأل» مثل : خاف يخاف ، وعين الكلمة واو.
قال الزمخشريّ : «وهي لغة قريش ، يقولون : سلت تسال ، وهما يتسايلان».
قال أبو حيّان (١) : وينبغي أن يتثبت في قوله : «إنها لغة قريش» ؛ لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز ، أو أصله الهمز ، كقراءة من قرأ (وَسْئَلُوا) [النساء : ٣٢] ، إذ لا يجوز أن يكون من «سال» التي يكون عينها واوا ، إذ كان يكون «وسالوا الله» مثل «خافوا» فيبعد أن يجيء ذلك كلّه على لغة غير قريش ، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيرا فيه لغة غيرهم ، ثم جاء في كلام الزمخشري : وهما «يتسايلان» بالياء ، وهو وهم من النّساخ ، إنما الصواب : يتساولان ـ بالواو ـ لأنه صرح أولا أنه من السؤال ، يعني بالواو الصريحة.
وقد حكى أبو زيد عن العرب : إنهما يتساولان.
الثالث : أنها من السّيلان ، والمعنى : «سال» واد في جهنم ، يقال له : سايل ، وهو قول زيد بن ثابت.
فالعين ياء ، ويؤيده قراءة ابن عباس : «سال سيل».
قال الزمخشريّ : «والسّيل مصدر في معنى السّائل ، كالغور بمعنى الغائر ، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب» ، انتهى.
والظاهر الوجه الأول لثبوت ذلك لغة مشهورة ، قال : [البسيط]
٤٨٥٧ ـ سالت هذيل رسول الله فاحشة |
|
ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب (٢) |
وقرأ أبيّ بن كعب وعبد الله (٣) : «سال سال» مثل «مال».
وتخريجها : أن الأصل : «سائل» فحذفت عين الكلمة ، وهي الهمزة ، واللام محل الإعراب ، وهذا كما قيل : هذا شاك في شائك السّلاح. وقد تقدم الكلام على مادة السؤال أول سورة «البقرة» فليلتفت إليه.
و «الباء» تتعلق ب «سال» من السيلان تعلقها ب «سأل» لما يزيد.
وجعل بعضهم الباء متعلقة بمصدر دلّ عليه فعل السؤال ، كأنه قيل : ما سؤالهم؟.
فقيل : سؤالهم بعذاب ، كذا حكاه أبو حيّان عن ابن الخطيب (٤).
ولم يعترضه ، وهذا عجيب ، فإنّ قوله أولا : إنه متعلق بمصدر دل عليه فعل السؤال
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٣٢٢.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣٦٥٥ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٢٦ ، والدر المصون ٦ / ٣٧٣.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٣٢.