قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ بعث محمد صلىاللهعليهوسلم إلى الإنس والجن ولم يبعث الله قط رسولا من الجنّ ولا من أهل البادية ولا من النّساء ، وذلك قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى)(١) [يوسف : ١٠٩].
وفي الحديث : «بعثت إلى الأحمر والأسود» ، أي : الإنس والجن (٢). وقد تقدم هذا الكلام في سورة الأنعام في قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الآية : ١٣٠].
قوله : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً).
قال ابن عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزاد في سيئاته (٣) ؛ لأن البخس : النقصان ، والرهق : العدوان ، وغشيان المحارم ، وقد تقدم في بيت الأعشى.
قوله : (فَلا يَخافُ) ، أي : فهو لا يخاف ، أي فهو غير خائف ؛ ولأن الكلام في تقدير مبتدأ وخبر فلذلك دخلت الفاء ، ولو لا ذلك لقيل : لا يخف ، قاله الزمخشريّ.
ثم قال : «فإن قلت : أي فائدة في رفع الفعل ، وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبرا له ووجوب إدخال الفاء ، وكان كل ذلك مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف؟.
قلت : الفائدة أنّه إذا فعل ذلك فكأنه قيل : «فهو لا يخاف» ، فكان دالا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة وأنّه هو المختص بذلك دون غيره».
قال شهاب الدين (٤) : «وسبب ذلك أن الجملة تكون اسمية حينئذ ، والاسمية أدل على التحقيق والثبوت من الفعلية».
وقرأ ابن وثاب (٥) والأعمش : بالجزم ، وفيها وجهان :
أحدهما : ولم يذكر الزمخشريّ غيره : أن «لا» نافية ، والفاء حينئذ واجبة (٦).
والثاني : أنها نافية ، والفاء حينئذ زائدة ، وهذا ضعيف.
وقوله «بخسا» ، فيه حذف مضاف ، أي : جزاء بخس ، كذا قرره الزمخشريّ.
وهو مستغنى عنه.
وقرأ ابن (٧) وثاب : «بخسا» بفتح الخاء.
قال القرطبيّ (٨) : وقرأ الأعمش ويحيى وإبراهيم : «فلا يخف» جزما على جواب الشرط ، وإلغاء الفاء أيضا.
__________________
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١١٣) والقرطبي (١٩ / ١٢).
(٢) تقدم.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٢).
(٤) الدر المصون ٦ / ٣٩٤.
(٥) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٢٨ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٣٨٢ ، والدر المصون ٦ / ٣٩٤.
(٦) في أ : زائدة.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٤٤.
(٨) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٢.